لن نكون شرطيّاً لدى الاتحاد الأوروبي
تقرير إخباري:
بعد أن ساهمت السياسات الاستعمارية الأوروبية في نشر الفقر والجهل والتخلّف في القارة الإفريقية، عبر نهب ثرواتها ومنعها من الوصول إلى التنمية المستدامة بشتى الوسائل، وخاصة أن القارة تمتلك إلى جانب الثروات المعدنية، مخزوناً هائلاً من الطاقة البشرية، حيث تعدّ هذه الدول في أغلبيّتها من الدول الفتيّة، بدأت أوروبا الآن تشعر بوطأة هذه الممارسات، حيث أدّى دعمها الأعمى لما سمّي “الربيع العربي” في زيادة أعداد المهاجرين من الشرق الأوسط وإفريقيا، وكان عدوان الأطلسي المباشر على ليبيا وسورية سبباً لنشر جماعات إرهابية في المنطقة برعاية أطلسية مثل “القاعدة” و”داعش” و”النصرة”، هذه الجماعات التي عملت بتوجيه غربي على تهجير السكان من بلادهم وصناعة أزمة لجوء في هذه البلاد، حيث عملت أوروبا على استقطاب هؤلاء بشكل متعمّد للاستفادة منهم أولاً “سرقة العقول والكفاءات” وللمساومة عليهم فيما بعد واستخدامهم ورقة في وجه الدول المستهدفة.
والآن، وبعد أن بدأ العجز عن الإنفاق يظهر على اقتصادات الدول الأوروبية الكبيرة، تحوّل هؤلاء اللاجئون “المهجّرون” إلى عبءٍ عليها، الأمر الذي دفع الاتحاد الأوروبي إلى محاولة التفاوض مع دول شمال إفريقيا للحدّ من ظاهرة الهجرة “غير الشرعية” على حدّ وصف الغرب، حيث لجأ الاتحاد الأوروبي إلى إغراء تونس بدعم ميزانيّتها مقابل قيامها بمكافحة الهجرة انطلاقاً من أراضيها، الأمر الذي فهمته تونس بقيادة الرئيس قيس سعيّد على أنه محاولة لتوظيف بلاده شرطياً أو خفر سواحل لمنع المهاجرين من الوصول إلى أوروبا، وذلك أن الاتحاد ربط المساعدات بقيام الحكومة التونسية بهذا العمل.
ومن هنا أكد الرئيس التونسي أن تونس تقبل دعم الآخرين في حال كان في إطار التعاون، وليس التعاطف أو الصدقة.
ونقل حساب الرئاسة التونسية على موقع “اكس” أن الرئيس سعيّد قال خلال لقائه وزير الخارجية نبيل عمار: “إن بلادنا وشعبنا لا يريد التعاطف بل لا يقبل به إذا كان دون احترام، وبناء على ذلك، فإن تونس ترفض ما تم الإعلان عنه في الأيام القليلة الماضية من الاتحاد الأوروبي، لأن هذا المقترح يتعارض مع مذكرة التفاهم التي تم توقيعها في تونس ومع الروح التي سادت أثناء مؤتمر روما في تموز الماضي الذي كان بمبادرة تونسية إيطالية”.
وشدّد سعيّد على أن تونس “لم تكن أبداً السبب في البؤس الذي تعيشه أغلب الشعوب الإفريقية، التي عانت من النظام العالمي الحالي شأنها في ذلك شأن العديد من الدول التي تتدفق منها هذه الموجات من الهجرة، ولا نريد أن نكون مجدّداً ضحية لنظام عالمي لا يسود فيه العدل ولا تحترم فيه الذات البشرية”.
وهذا يقتضي حسب سعيّد أن ترفض تونس العرض الأوروبي بالعمل شرطيّاً لمكافحة الهجرة من الدول الإفريقية تحت رقابة أوروبية، وذلك لأنها “متمسّكة بمبادئ عدم الانحياز ولا بد أن تكون شريكاً فاعلاً، صوته مسموع ومواقفه ثابتة، في صنع تاريخ جديد للإنسانية” في عالم يشهد تحوّلاتٍ كبيرة ويسير بخُطاً ثابتة نحو التعدّدية القطبية، فأوروبا ليست الآن في واقع يسمح لها بفرض شروطها.
طلال ياسر الزعبي