صحيفة البعثمحليات

حتى أنت يا مكدوس!؟

وائل علي

“حتى أنت يا مكدوس!؟” عبارة أضافها السوريون البسطاء، وهم – مع الأسف – الغالبية الغالبة، لقائمة أحلام مائدة طعامهم ومأكولاتهم التي افتقدوها كغيرها من اللزوميات والأساسيات التي تقلصت حتى اقتصرت على سد الرمق!

و”غياب المكدوس” أمر طبيعي بعد ما لحقه من جنون الأسعار حتى تراوحت كلفة المكدوسة الواحدة ما بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف ليرة، وهي كلفة جدُّ مرتفعة ومرهقة لأصحاب الأسر التي تحتاج ما لا يقل عن خمسة حبات لشخصين فقط للوجبة الواحدة. وترجمة هذا الكلام أن تكاليف الوجبة بدون باقي مستلزمات “السفرة” المعروفة تصل إلى خمسين ألف ليرة!

وأمام خروج العديد من الأطعمة واستبعادها من خيارات القوائم اليومية، مثل الأجبان التي سجّل سعر الكيلو غرام الواحد منها ما بين الخمسين والمئة ألف ليرة، حسب نوعها وجودتها، وصحن البيض ما بين الخمسين والستين ألف ليرة، ولحوم العجل الحمراء بمئة وثلاثين ألف ليرة، واللحوم البيضاء من الأسماك ما لايقل عن الخمسين ألف ليرة لأردأ الأصناف، لتصل قرابة المليون ليرة للكغ لأصناف السلطان ابراهيم والغزال والسفرني والفَرّيدي.. حتى الدجاج النيء اختفى عن تلك الوجبات بعد أن سجلت أسعاره أرقاماً فلكية، وزيت الزيتون الذي استبدلته الكثير من العائلات مُكرهةً بزيت الذرة ودوّار الشمس والكتّان والقائمة تطول!

أمام التدهور الحاصل يسأل الناس: ما العمل؟ صحيحٌ أنه من غير المعقول أن نضع يدنا على خدّنا بانتظار تحسّن الأوضاع ووصول مساعدات التي لا تأتي، وهذا ما فعله أرباب الأسر وأبناؤهم وعوائلهم التي اخترعت أفكاراً ومِهَنَاً جديدةً للُّحاق بما بقي من رَكْب العيش الكريم، وهناك من نجح، وهناك من لم ينجح، لذلك فالفجوة لا تزال قائمة وكبيرةٌ بين المُراد المطلوب والمُتاح المُمْكن لأن الحل الفردي ببساطة شديدة لا يستطيع، ولا يمكن أن يكون لوحده بديلاً عن دور الدولة بمؤسساتها وخططها التكتيكية والاستراتيجية ورُؤاها التطويرية وحلولها المستدامة.. لكننا، وبكل أسف، لم نلمس حتى الآن أي خطوات تعد أنَّ هناك ما يبشر على الطريق، بل العكس نراها تنتقل لضفة أخرى تماماً على خلفية لا يكلف الله نفساً إلا وِسْعها..!

إن الانسحاب بهذه الشاكلة، وعدم المحاولة والتجريب، بدواعي محتلفة، زاد من بلة الطين الذي نغرق ونغوص به، وجعلنا ريشة في مهب ريح العابثين والمتدخلين, وليكن معلوماً أنه لن تقوم لنا قائمة إلا مع تدوير عجلات الإنتاج أولاً، ورفدها بالجديد على الصعيد الزراعي والصناعي والإنتاجي والطاقوي، وفتح الأسواق التصديرية الدائمة ثانياً، واستقطاب الشركات ورجالات المال والأعمال والاقتصاد الكبار في الداخل والخارج، وتقديم المزيد من التسهيلات الإئتمانية، وإعادة النظر الشاملة بالسياسات البنكية والنقدية والسِعّرية، وتحسين القوة الشرائية لليرة ثالثاً؛ وبغير ذلك ستكون رحلة عذاباتنا طويلةً، وعرضةً للمزيد من المخاطر، ولن تعود موائدنا عامرة، وأحوالنا “عال العال” قبل تذليل تلك العقبات.