دراساتصحيفة البعث

بوتين وشي جين بينغ… لقاء عمالقة الأقطاب الجديدة

ريا خوري

تربط بين الرئيسين الصيني والروسي علاقة شخصية قوية، إذ يصف الرئيس شي جين بينغ نظيره الروسي فلاديمير بوتين بأنه “أفضل صديق”، بينما يتحدّث الرئيس بوتين عن الرئيس الصيني بوصفه “شريكاً موثوقاً به”.

فقد أكَّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد اجتماع استمر ثلاث ساعات متواصلة في العاصمة الصينية بكين مع نظيره الصيني شي جين بينغ على هامش “منتدى طرق الحرير الجديدة الثالث” في 17 و18 تشرين الأول،  أن الصراعات  والنزاعات والتهديدات في العالم تعزز العلاقة بين بكين وموسكو. وقال فيما يتعلق بتأثير العوامل الخارجية والنزاعات والصراعات على تطور العلاقات الصينية- الروسية، فإن كل هذه المفاعيل وتلك العوامل الخارجية تشكل تهديدات مشتركة تعزز التعاون بين الصين وروسيا.

لقاء الرئيسين الصيني والروسي جاء بعد عشر سنوات على تناول نخب الصداقة الجديدة بينهما، من أجل تعميق شراكة  حقيقية لا حدود لها بين البلدين.

تقول أليسيا باتشولسكا، الخبيرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن وجود الوفد الروسي في العاصمة الصينية بكين مهم بالنسبة لموسكو، لأنه سيزيد من إضفاء الشرعية لروسيا على الساحة الدولية من خلال إظهار الصورة الحقيقية  الإيجابية للرئيس فلاديمير بوتين بخاصة بعد الحرب الساخنة في أوكرانيا .

ذلك اللقاء الهام بين الرئيسين الروسي بوتين، والصيني شي جين بينغ على هامش المنتدى الثالث لمبادرة الحزام والطريق في بكين، يعتبر خطوة إضافية في التقارب الاستراتيجي بين  البلدين، وهو ما لم تعرفه العلاقات بين بكين وموسكو من قبل، إذ يقف القطبان وجهاً لوجه مما يجري في  أوكرانيا إلى بحر الصين الجنوبي مروراً بالشرق الأوسط والمياه الدافئة.

فقد بحث الرئيسين العديد من القضايا الشائكة، وأهمها تصميم مشترك على تأسيس تحالف  استراتيجي، وبما يضمن لهما إرساء ثقل موازٍ للعالم الغربي الأمريكي – الأوروبي، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تخفي انزعاجها من التقارب الكبير بين القطبين، وتتهمهما بالعمل على تقويض النظام الدولي، مقابل نظرية العالم المتعدد الأقطاب التي تتبناها بكين وموسكو، وهو ما أكده  الرئيس فلاديمير بوتين، قبل أيام قليلة، عندما وعد بقيام نظام عالمي جديد، يكون فيه الجميع سواء في الحقوق والواجبات، وذلك قبل أن يدعوا إلى  بذل المزيد من الجهود الروسية – الصينية ، لحماية العدالة والإنصاف الدوليين.

هذه النبرة لا تطيق الولايات المتحدة الأمريكية سماعها، وتريد أن تدفنها بأي طريقة كانت، وما تفعله من انخراط واسع في دعم أوكرانيا بالمال  والسلاح والدعم اللوجستي ، ومن محاولات تضييق اقتصادي وسياسي وعسكري على الصين ، يدخل في إطار الدفاع عن موقعها الجيوسياسي، على الرغم من أنَّ كل المؤشرات والدلائل  تؤكد أنّ محرّكات التغيير البنيوي في العالم  بدأت في الدوران، ومن الصعب أن تسير المنظومة الدولية إلى الخلف .

من لقاء الزعيمين الصيني والروسي في بكين، يتضح أن التنسيق الاستراتيجي بين البلدين، أخذ طريقه إلى الأمام من أجل تحقيق أهدافهما، وفي الأحداث الدولية هناك الكثير من المواقف والتفاصيل التي توحي بأن الانقسام العالمي الحاد لم يعد بالإمكان تجنبه أو التغاضي عن وجوده، وكل أزمة تندلع ستكون مسرحاً  واسعاً للتجاذب والمواجهة المستمرة.

وعلى غرار الحرب الدائرة في أوكرانيا وتداعياتها العالمية ، هناك  عدة نقاط توتر مرشّحة للانفجار في ظل الفراغ والفوضى الكبيرين، والشلل الذي تعانيه المنظمات الدولية، وأهمها هيئة الأمم المتحدة وذراعها الضاربة في العالم  مجلس الأمن الدولي .

المواجهة المفتوحة بين الأقطاب، التي تهيمن على العالم بأسره متعدّدة الأدوات والأسلحة والمعايير، وستشهد من حين إلى آخر أوقاتاً ساخنة وأخرى باردة، ومثلما هي مواجهة مباشرة وغير مباشرة حول التوجهات السياسية  والأمنية والإستراتيجية، هي أيضاً مواجهة بين قيم ومبادئ وفلسفات في السيطرة والقيادة، وبين العديد من الإرادات تحاول كل منها أن تكسب المعركة لصالحها.

من السابق لأوانه توقع لمن تكون الغلبة، لكن ربما يحالف الحظ من يمتلك طول النّفَس، والقدرة على استقطاب الدول والشعوب والأمم إلى جانبه. وإذا كان التحالف الذي تمثله الصين وروسيا بصدد تشكيل رؤيته وتصوراته، ويسعى  جاهداً إلى التوسع بها تدريجياً، فإن الطرف الآخر المقابل، الذي يمثله الغرب  الأمريكي- الأوروبي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، يعاني أزمة حضارية حادّة وعميقة، وسقوطاً أخلاقياً وقيمياً مدوياً، يجد براهينه في الأنانية المفرطة والكيل بمكيالين وازدواجية المعايير، والأدلة على ذلك أكثر من أن تُعدُّ وتُحصى.