دراساتصحيفة البعث

الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.. السيناريو الأسوأ على الاقتصاد العالمي

هيفاء علي

في ظل التصعيد الخطير الذي تشهده فلسطين المحتلة، على يد جيش الاحتلال، والذي بلغ ذروته باستهداف مشفى الأهلي المعمداني، ما أسفر عن وقوع مجزرة شنيعة معظمهم من أهالي غزة الذين فروا من منازلهم ولجؤوا للاحتماء في هذا المشفى هرباً من الموت، ولكن هذا الموت كان بانتظارهم. في ظل هذا الوضع الخطير، يتحدث محللو وخبراء الاقتصاد عن السيناريو الاقتصادي الأسوأ الذي قد يشهده الاقتصاد العالمي في حال توسعت ساحة الحرب، والذي يتضمن مجموعة نقاط هي:

– تصاعد الصراع إلى حرب إقليمية تتورط فيها الولايات المتحدة بشكل مباشر.

–  رد فعل أوبك بفرض حظر على النفط.

–  إيران تغلق مضيق هرمز.

– وصول سعر النفط إلى 300 دولار للبرميل.

– تعاني أوروبا من أزمة طاقة حقيقية بسبب نقص الغاز الطبيعي المسال.

– يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة إلى زيادة التضخم، وتتصرف البنوك المركزية وفقاً لذلك.

– تنهار الأسواق المالية والقطاع المصرفي العالمي.

– تجتاح أزمة الديون الولايات المتحدة، ما قد يجبر بنك الاحتياطي الفيدرالي على تنفيذ خطة إنقاذ جديدة للسوق المالية.

– تجارة البترودولار تنهار، وظهور التضخم المفرط.

في أعقاب حرب تشرين التحريرية 1973، أعلنت منظمة الدول العربية المصدرة للنفط حظراً نفطياً على الدول الغربية الداعمة للكيان الإسرائيلي المحتل، وفي غضون ستة أشهر ارتفعت أسعار النفط بنحو 300% على مستوى العالم، بل وأكثر من ذلك في الولايات المتحدة، التي أصبحت آنذاك تعتمد على نفط الشرق الأوسط.

في الوقت الراهن، يشن الكيان المحتل عدواناً وحشياً على قطاع غزة، ويقال إن إدارة بايدن تفكر في إرسال مجموعة هجومية أخرى من حاملة الطائرات في شرق البحر الأبيض المتوسط، وهناك أيضًا شائعات تتحدث عن قيام طائرات شحن عسكرية أمريكية برحلات روتينية إلى “إسرائيل”.  ويكاد يكون من المؤكد أن أي تدخل مباشر للولايات المتحدة في الحرب من شأنه أن يؤدي إلى رد فعل من جانب منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، أو على الأقل بعض أعضائها، ومن المرجح أن يتخذ رد الفعل هذا شكل حظر نفطي ضد الولايات المتحدة، أو حتى أوروبا.

ومضيق هرمز هو مضيق ومركزي لأسواق النفط العالمية، ويمر عبره سدس النفط وثلث الغاز الطبيعي المسال المستهلك في العالم. ويضم المضيق ثماني جزر، سبع منها تسيطر عليها إيران، وبالتالي فإن إيران تمتلك القدرة العسكرية لإغلاق المضيق. وهناك طرق عديدة لإغلاق المضيق تتراوح بين الإغلاق على أساس التهديد، حيث تهدد إيران بإغراق أي ناقلة تمر عبر المضيق، إلى الغرق الفعلي لناقلة عملاقة في المضيق، الأمر الذي من شأنه أن يغلقه لفترة غير معروفة من الزمن ويلوث الخليج العربي أيضاً. وإذا استمر الحظر الروسي على النفط والغاز، فمن المرجح أن ترتفع أسعار النفط والغاز الطبيعي المسال العالمية بشكل كبير لتصل إلى مستويات غير مسبوقة، وهذا من شأنه أن يشعل التضخم السريع من جديد، وستكون هناك أيضاً تداعيات أكثر خطورة.

وبعد إغلاق معظم خطوط الأنابيب التي تنقل الغاز الروسي إلى أوروبا، اعتمدت القارة على سوق الغاز الطبيعي المسال العالمية لملء الفراغ. والأهم من ذلك أن أوروبا اعتمدت على مصادر أمريكية وشرق أوسطية في توصيل الغاز إليها، بينما شكلت الولايات المتحدة ما يزيد قليلاً عن نصف الطلب على الغاز الطبيعي المسال في أوروبا خلال العام الماضي، في حين زودت روسيا والشرق الأوسط حوالي 30% .

وإذا تم قطع المصدرين الأخيرين أوانخفضت إمداداتهما بشكل خطير، فمن غير المرجح أن تتمكن الولايات المتحدة أو مصادر أخرى من سد الفجوة، لأن سوق الغاز الطبيعي المسال العالمية تعاني من نقص المعروض. وهذا يعني أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قادر على عرقلة كل خطط أمن الطاقة في أوروبا، نظراً لانقطاع الغاز الروسي وتفجيره، في حين أن الاقتصادين الألماني والأوروبي يغرقان بالفعل في الركود. وبناء على ذلك، فإن عودة أزمة الطاقة بقوة من المرجح أن توجه ضربة قاتلة للاقتصاد الأوروبي وأن تهز قطاعها المصرفي، مع ما يترتب على ذلك من عواقب عالمية معروفة.

وبحسب خبراء الاقتصاد، فإن عودة الضغوط التضخمية من شأنها أن تجبر البنوك المركزية على القيام بجولة أخرى من رفع أسعار الفائدة، وسوف يشعر المستهلكون والشركات، وكذلك الأسواق المالية، بالانزعاج، ومن المرجح أن تنفجر عائدات الديون السيادية ما من شأنه أن يؤدي إلى انهيار كامل لأسواق الأصول والائتمان على غرار ما حدث في ربيع عام 2020. وعند هذه النقطة، من المرجح أن تنقل البنوك المركزية “انحرافاتها النقدية” إلى مستوى آخر، وهذا يعني أنه بينما يرفعون أسعار الفائدة للحد من التضخم، فإنهم سيضعون برامج لشراء الأصول لدعم الديون السيادية والائتمان وأسواق الأصول. ومن المتوقع أن تصل عمليات إنقاذ الأسواق المالية إلى عدة تريليونات من الدولارات، كما هو الحال في ربيع عام 2020، وهذا من شأنه أن يضخ مبالغ ضخمة من المال، وخاصةً الدولار الأمريكي، في الاقتصاد العالمي. ومن الطبيعي أن يؤدي هذا إلى زيادة الضغوط التضخمية بشكل كبير، ولكن هناك خطر حدوث شيء أسوأ من ذلك، والحديث هنا عن ” الخيار النووي” حيث يمكن لـ “أوبك” التوقف عن استخدام الدولار في تداول النفط تماماً، ما يعني أن الطلب على الدولار سوف ينهار فجأة، وأن “الدولارات الفائضة”، التي كانت تستخدم في السابق لشراء النفط، سوف تعود في النهاية إلى ديارها.  هذا من شأنه أن يخلق ارتفاعاً غير مسبوق في المعروض النقدي في الولايات المتحدة، مما يخلق الظروف المثالية للتضخم المفرط مع انهيار الإنتاج بسبب الركود العميق الذي يغذيه التضخم السريع، وارتفاع أسعار الفائدة، والأزمات المصرفية.

إن الفوضى التي تعم الاقتصاد الأميركي، وبالتالي العالم، لن تكون أقل من الفوضى المروعة. وعليه، فإن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لديه القدرة على هزيمة أوروبا على مستوى الطاقة والتسبب في انهيار مدمر للاقتصاد الأمريكي.