“يا شام إنك للعراق شقيقة”.. في المنتدى الثقافي العراقي
ملده شويكاني
“القدس سنبلة الحقيقة في جراح الأفئدة/ وورود من ضحوا بشهد الأورده/ يا ليتني صليت في الأقصى أقبل مسجده/ وأدور في البيت العتيق منادياً ومردداً اسم المسيح بمرقده”..
هذه قصيدة الشاعر العراقي فائز الحداد بعنوان” ننتصر أو نموت” ألقاها في المهرجان السنوي الثاني الذي أقامه المنتدى الثقافي العراقي بإدارة الشاعر العراقي صالح الكندي بحضور رسمي وثقافي.
ولم تكن توءمة بين دمشق وبغداد اللتين ارتبطتا بالتاريخ والأدب والثقافة ومواجهة الإرهاب فقط، إذ حمل الطابع العروبي بمداواة جرح القدس ومقاومة النيران المشتعلة بغزة، التي يقتل أطفالها، لكن كما قال نزار قباني “ومحال أن ينتهي الليمون”.
حفل المهرجان بمشاركة شعراء سوريين تقاطعت قصائدهم ومفرداتهم بمقاومة أبناء غزة في الوقت الذي لم يجدوا فيه لحمة إلا من دول قليلة وبقية الدول العربية صامتة إزاء ما يحدث، وطغت المخاطبة والمناداة والصور البيانية المبنية على التشبيه، ولم يقتصر المهرجان على الشعر العربي الفصيح، إذ أُلقيت بعض القصائد باللهجة المحكية في الشام والسويداء، كما ترافق الشعر مع فقرات موسيقية وغنائية.
وخلال المهرجان كرّم د. محمود شمسة رئيس المنتدى الثقافي العراقي والشاعر صالح الكندي، والرفيقة منى هيلانة أمين سرّ قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي وغادة مكي من المنتدى والمشاركين بتقديم ميداليات ودروع.
الحنين إلى بغداد
بدأ الشاعر العراقي صالح الكندي بتحية إلى بغداد التي فاض الشوق إليها: يا أرض بغداد إليك جبيني/ هذا لأن شموخك يعنيني/ فأنت عاصمة الهداية والتقى/ وأنت أنت صبابتي وحنيني/.
وبعد الشوق والحنين يصل الشاعر إلى مغزى القصيدة “فيها تعلمتُ العروبة أمنا”.
عروبة سورية
ومن ثم ناجى ياسمين الشام معتمداً على الجمل الشعرية القصيرة، مشيداً بأصالتها وعروبتها، فيشعر بأنها وطنه، ويتغنى بريحانها وعطرها، ليختم القصيدة بعروبة سورية التي تلتقي مع عروبة بغداد:
فيرفعني ويسعدني/ بقائي بين خلاني/ وخلاني هم كثر/ فالشام أوطاني.
الاتكاء على التاريخ
كما ألقت الشاعرة خزامى الشلبي قصيدة “دمشق تعانق بغداد” تصف الروابط بين بغداد ودمشق برمزية الياسمين ودجلة:
يا شام إنك للعراق شقيقة/ نحن العراق ودجلة المشتاق
لتصل في قفلة القصيدة إلى رمزية التوافق مستخدمة فعل الأمر للتأكيد: خذني إلى بغداد أقطف زهرة/ حتى يفوح بشامنا الدرّاق.
وفي قصيدتها “عشق سرمدي” اتكأت على التاريخ المشترك والحضارات المتعاقبة بين بغداد ودمشق: ماري وإبلا أو ببصرى خلّدوا/ وجه الحضارة يا تواريخ اشهدي.
مستحضرة البطل صلاح الدين الأيوبي الذي دحر الأعداء:
وصلاح يرقد قرب يحيى تاركاً/ من مشهد الأبطال أجمل مشهد
ثم تغنّت بأشجار الشام وتربتها ونهر بردى المتغلغل فيها، و”الفرات والعاص أطيب مورد” لتعود إلى التاريخ مستحضرة الشاعر الناسك المتعبد الدارمي، مقتبسة بيت شعره الشهير: يادارمي أوما نطقت بحبها/ تلك المليحة بالخمار الأسود.
لتتابع في قفلة القصيدة ما تتصف به سورية من قداسة، فهي مهد الرسالات النبوية: أرض البداية والنهاية والهوى/ أرض الرسالة منذ يوم المولد.
ريحانة العرب
ووصفت الشاعرة ملاك العوّام بغداد بريحانة العرب في قصيدتها “بغداد سلام من القلب” التي تغنّت بها بالياسمين والنخيل، وسطّرت مجد بغداد بدحر الأعداء، وأشارت إلى مكانة بغداد حاضنة الأدب، لتختزل كل هذه الصفات في القفلة: وروعة المجد يا بغداد/ عرش أيا ريحانة العرب.
سلطان باشا الأطرش
كما لفتت الانتباه بقصيدتها بالشعر المحكي بلهجة منطقة السويداء متفاخرة بأبناء الجبل الذين يدافعون عن الوطن تحت سمائه منذ الأزل: ربوعنا تاج العرب/ وأهل الشرف ثوارنا/ وأفعالنا مضرب مثل/ والرمز سلطان البطل.
مجازر غزة
أما الشاعر صالح الحلبي فاستنكر تخاذل بعض العرب تجاه ما يحدث في غزة التي تقاوم العدو الصهيوني وتشهد أبشع المجازر، ونبذ الصمت الدولي عن جرائم الصهاينة في قصيدته غزة الأبطال، مبتدئاً بالأسلوب الإنشائي والتساؤلات: لا تسألي كيف العيون تنام/ وعلى ثرى القدس الجريح لئام/ قتل الشعوب جريمة مغفورة/ وكذا الدفاع عن الشعوب حرام/ في أيّ شرع أصبح حق الحيا/ ذنباً يلاحق أمة وتلام/ أيّ الشرائع في الوجود تسنه/ ذاك القضاء ويسهل الإعدام.
اللهجة الشامية
كما ألقى الحلبي قصيدة بالشعر المحكي باللهجة الشامية، تعبّر عن الحياة في وطننا المبنية على التعايش الديني والتلاحم الاجتماعي والمساندة: حلوة العيشة بها الوطن إخوان/ طيب ومحبة وبالرزق نقنع/ ونمشي ع درب الخير والإيمان/ والحب بقلوب البشر نزرع.
تساؤلات مفتوحة؟
أما الشاعرة سيدرا الأسعد فألقت عدة قصائد وطنية، تحاكي فيها بطولات الشهداء، وقاربت في إحداها قصيدة محمود درويش (على هذه الأرض ما يستحق الحياة): مستخدمة فعل الأمر في المطلع، تتبعه بتساؤلات تترك إجابتها للقارئ: فقم يا شهيد/ لنرقص فوق رماد الغزاة/ ونسقي جدائل بنت الطفولة نخب البقاء/ فهل لشموس الصباح انطفاء؟/ وهامة ورد الدروب الفتي/ استقرت نجوماً بحضن السماء/ أما كان ثغر الحدائق أولى بهذا النقاء؟/ وكان فضاء العطور رحيباً بهذي الرفات/ لتبقى البراعم دهراً وتزهر حدّ الممات.
حوارية شعرية
في حين ارتجل الإعلامي الشاعر محمد خالد الخضر بعض الأبيات التي يصف بها تخاذل بعض العرب، مبتدئاً بجرح القدس، مناجياً بغداد: أبكي على القدس يا بغداد في أدبي/ وأستريح على جرحي وفي نسبي.
ويتابع أبيات القصيدة معتمداً على تضمين أسلوب الحوار من خلال حوارية بينه وبين طفله: أحكي لطفلي عن الأبطال في العرب/ وقال يا أبتاه اليوم أدركهم/ لاشيء يثبت إن القوم في كذب/ باعوا الكرامة في شيء يخامرهم.
ليعود إلى المطلع في قفلة القصيدة والبكاء على التاريخ: هذا أنا سوف أبكي على التاريخ والحسب.
قدمت الإعلاميتان هناء أحمد وهديل طربية المهرجان، وشاركت أيضاً هديل طربية بغناء “آه يا سورية” أما الفقرات الموسيقية فكانت بمشاركة الموسيقي عازف الكمان عدنان الحايك وعازف البزق سامر عبد العزيز بعزف بعض الأغنيات الوطنية، منها موطني وبلاد العرب أوطاني وسورية ياحبيبتي.
مشاريع استشهاد
وعلى هامش المهرجان تحدثت “البعث” مع الشاعر العراقي فائز الحداد ضيف شرف المهرجان عن أهمية هذا المهرجان، فعقب: بأنه على مرّ التاريخ بغداد ودمشق تتبادلان الحبّ وقيادة الأدب العربي، واشتركتا بكل الأزمات لبناء الوطن من جديد، فهذه المساهمة ترجمة حقيقية تؤكد أن بغداد ودمشق مصدر الفكر العربي النير الهادف إلى نصر الأمة، ولاسيما في هذا الوقت الذي نعيش فيه أحداث غزة، وكلنا مشاريع استشهاد في سبيل غزة وفلسطين.
توءمة حقيقية
وبيّن الشاعر العراقي صالح الكندي مدير المهرجان أن سورية شيء كبير في قلوب العراقيين وأعينهم، فالعراق وسورية توءَمان، فإن أصاب بغداد شيئاً أصاب سورية وبالعكس، وتابع عن المهرجان بأن الشعراء قدموا قصائد معبّرة عن هذه التوأمة وعن الأحداث الدامية في غزة، والحكم النهائي للجمهور الذي حضر المهرجان.
التراث العراقي
وأوضحت الرفيقة منى هيلانة أمين سرّ قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي المشرفة على المهرجان، أن المنتدى يُعنى بتقديم المهرجانات السنوية، التي تؤكد على العلاقات الثقافية والأدبية المتوطدة بين بغداد ودمشق، ويسعى المنتدى لتقديم فعاليات وأمسيات منوعة، وقريباً سيقدّم ما يتعلق بالتراث العراقي القريب من تراث الجزيرة.