ثقافةصحيفة البعث

حفل توقيع كتابين للشاعر الراحل علي الطه

حلب-غالية خوجة

كانت تحدثني وكأنه واقف قربها، ويستمع إليها، ويحدق في النسخ المصفوفة على الطاولة، وينظر بحنين لأصدقائه ومنهم التشكيلي محسن خانجي، والتشكيلي إبراهيم داود: علي الطه ذاكرة فراتية بامتياز تتحرك بين شعره وأفلامه الوثائقية التي حكت عن المهمشين ومواهب ذوي الاحتياجات الخاصة، وله “نظرية الفن الثامن” التي تجمع الفنون بين صورة وصوت وحركة ونحت ورسم وموسيقا وسينما، مؤكداً على أن الشعر سيد الفنون، هذا ما قالته لنا الكاتبة نورا عن أخيها الشاعر الراحل علي الطه، أثناء حفل توقيع كتابيه “الفرات لا يسير شمالاً/تحت سماء تشبهني ” اللذين صدرا بعد وفاته، في صالة الأسد للفنون الجميلة.

أرشفة الفرات شعرياً

وأضافت: جميع كتاباته تتمحور حول تراث الفرات تاريخياً ومكانياً ومعنوياً ومادياً ولا مادياً وكأنه أرشفه شعرياً، فهو لا ينسى سنة الغمر 1973 التي فاض فيها النهر، ولا ينسى النباتات والحيوانات والطيور، ويذكر مملكة “إيمار”، والخرافات المتشكلة حول النهر، وإرث الأجداد القدامى وحكاياتهم، وأغاني عشتار وأهازيج الحصاد، ومن يقرأ أعماله يشعر وكأنه يتجول في فيلم سينمائي يضم مختلف أنواع الفنون.

أمّا كيف صدر العملان في غيابه؟

فأجابتنا: الشعراء لا يموتون لأنهم ذاكرة الأمم ولسان حال العرب، وطالما هناك شعراء فالحضارة مستمرة وممتدة، وكان قبل وفاته قد جهز لطباعة المخطوطين، وكل ما عملناه كعائلة أننا طبعناهما لإيصالهما إلى أصدقائه على امتداد سورية، وبدأنا بحفلات التوقيع التي انطلقت من دمشق إلى اللاذقية وحلب.

وعن نفسها قالت: شاعرة وروائية، أصدرت مجموعة شعرية “شال من مطر”، ورواية “يحدها نهر” كتبت فيها ذاكرتي عن الحرب، ومخطوطة روائية “غوديا”.

شعراء بني خفاجة

وبدوره، قال عمه خليل أحمد العريف: ألمس في شعره ما توارثه من قبيلتنا “بني خفاجة” التي أنجبت العديد من الشعراء، منهم توبة بن الحُميّر الخفاجي، صاحب ديوان “ليلى الأخيلية” ابنة عمه الشاعرة العقيلية العامرية الهوازينية القيسية، وأذكر الشاعر ابن سنان الحلبي الخفاجي، وديوانه المحقق معنون باسمه، وله كتاب “سر الفصاحة”، الشهير بقوله: “القلب قلبي والأوجاع أوجاعي”، وهذه الأوجاع استمرت إلى أن وصلت لعلي الطه الفراتي والهوى عامري.

عازف الحب بين الخراب والحرب

ولقارئ العملين الصادرين عن دار بعل أن يلحظ كيف تظهر تفاصيل الحياة اليومية بأحوالها النفسية والمكانية لتشكّل حكاية المشهد كصورة شعرية تمسرح العالم، وترسم آلام الأطفال، وتبوح عن الذات والآخر، لكنها تظل تبحث عن تاريخ المدينة وتكتبه و”تطرد ظل الكآبة بأغنية عن رحيل الغجر”، وينشد الطه هذه الأغنية في “تحت سماء تشبهني” مع أناهُ العازفة في “ريبورتاج طويل عن الحرب”، تلك التي تأتي بضمير المخاطب “لا يسعك الكون ويسعك الشعر” ثم ينعطف لمخاطبة الضمير الجمعي بمنطوق ضمير الهو العائد للعازف: “أحبتي، في جهات الأرض، لا ضير أن تتغيروا، في الدفن يتساوى العاشق وغير العاشق كما يقول عازف الخراب”.

كما تضمنت هذه المجموعة نظريته للفن الثامن “جدلية النحت والشعر” من صفحة 75 إلى صفحة 164، وعلائق الكلمة الشعرية بين نحت المكانية والزمانية والطبيعة والنحت البدائي والحضاري المصري والرافدي والهندي والإغريقي والإفريقي وعصر النهضة والنحت الحديث ليختتم بفن العصافير.

ومن معنى قرائي آخر، سيرى القارئ كيف ينتقل في مجموعة “الفرات لا يسير شمالاً” من صور مشهدية سريعة وقصيرة إلى مشهد تصويري مؤلف من شبكة حكائية تعتمد على القطع والوصل بين عوالم الذات المركّبة من عدة عوامل منها الانتشار بعدة ضمائر “هو وهي وهم”، ومنها التأرجح مع الحب بين المادي الجسدي الوصفي وتهويمات من الشرود والإسقاطات المرآتية للروحين ومعانيهما الحالمة كما نهر الفرات: “قمر تشرين يرتاد منازله، ابنة الحارس الليلي تمسد شعرها بالنارنج، على ضوء شحيح، وأنا أجدف ضد نفسي”.