مجلة البعث الأسبوعية

محمد الركوعي وخيارات دقيقة في ملتقى مصياف الثالث

البعث الأسبوعية- ملده شويكاني

الهلال الذي ينعكس عليه ضوء القنديل يعتلي لوحة الفنان محمد الركوعي التي جسد فيها حكايات شخوص متعددة لثنائية الرجل والمرأة والأطفال والشابة اليافعة والأنثى، التي تحمل القنديل المتوهج كونها الضوء في أسرتها والمجتمع على خلفية الأشكال الهندسية والألوان المتناغمة، برمزية إلى الحياة والأمل والقراءة والاجتهاد، كما ذكر محمد الركوعي.

وقد تألقت لوحته في معرض نتاج ملتقى مصياف الثالث بإدارته وإشرافه وتمويله، والذي أقيم في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- وضم أربعة عشر فناناً محترفاً من الفلسطينيين والسوريين من مختلف المحافظات، قدموا أعمالهم بأساليب وتقنيات مختلفة في أجواء التواصل المباشر بين الفنانين والاطلاع عن قرب على تجاربهم التشكيلية.

حفل المعرض بمدارس وأساليب وتقنيات وسطوح مختلفة، وتضمنت أفكاراً متنوعة.

الحب والحرب

وقد شكّل الارتباط بالمكان جزءاً منها، كما في لوحة طلال بيطار إذ اعتمد فيها على تموجات اللون الأحمر الداكن، وجسد فيها بناء معمارياً لأبنية متراصة ركز بخطوطه البسيطة على تفاصيل الأبواب المقوسة والنوافذ والشرفة وحبال الغسيل وقطع الثياب المعلقة التي توحي باستقرار عائلة، إضافة إلى النباتات الخضراء اليانعة والأزهار البيضاء، لتكتمل مع مسحات اللون الأبيض الصغيرة التي تخللت اللوحة التي سردت حكاية مدينة اختلط فيها الحب بالحرب والفقد بدلالة اللون الأحمر.

قدسية الشهادة في غزة

أما إيمان الحسن فوظّفت تقنية الكولاج بطريقة جميلة من خلال قصاصات قماش “التول الأبيض” على سطح اللوحة المكتظ بسماكات العجينة اللونية لتزيّن به الشرفات الصغيرة، وعلى بقايا صور برمزية منمنمات لرسومات أشكال ونباتات وأشخاص بقوا بذاكرة الأنثى التي تحمل بيدها بقايا مدينة، وفي الوقت ذاته تشير الوردة التي تزين شعرها بالأمل، كما أقحمت قصاصات من الورق لكتابات إنسانية، منها قدسية الشهادة في غزة.

واستوحت بتول الماوردي مشاهد طبيعية مستوحاة إلى حد ما من طبيعة مصياف بتوازن بين الجبال والسفح. وتنوعت اللوحات الأخرى، بعضها اتجه نحو التجريد والتجريد التعبيري والغرافيك وحالات تعبيرية للأنثى.

الغرافيك والتصوير

توقفت “البعث” مع الفنان غسان عكل من الرقة والذي أثنى على فكرة الملتقى بدعوة وتمويل الفنان محمد الركوعي باستضافة عائلة فنية (أبو حازم) في مزرعتها، ويرى بأن الملتقيات هي الأكثر فاعلية بالتقارب بين الفنانين وتبادل المحبة والألفة فيما بينهم، إضافة إلى الاطلاع على تجارب بعضهم ما يساعد على خلق أفق جديدة لهم، وتابع عن نتاجه بعملين ضمن مساره الفني القائم على الدمج بين الغرافيك والتصوير والخطّ العربي، إذ يستخدم تقنية الغرافيك بالطباعة وتقنية التصوير بالرسم بالإكليريك.

السنونو والهجرة

جسد بالأول فتيات من الفرات بأسلوب تعبيري وبتحديد الملامح بالخط الأسود البسيط بأسلوب طفولي، وبالفصل بالتكنيك بين الثوبين بالألوان بشكل طولي وبالدوائر، بينما الخلفية التراثية كانت بتشكيلات الخطّ العربي كونه جزءاً من تراثنا، نفذت بتقنية الطباعة –غرافيك- وعقب على وجود جزء من البطيخة في وسط اللوحة بدلالة على الكرم.

في حين تميز العمل الثاني بتقنية الكولاج بورق الذهب كنوع من التكنيك وإضفاء لون جديد على اللوحة، التي توسط فيها السنونو المهاجر برمزية إلى الهجرة.

الواقعية وحالة انتظار

أما الفنان عدنان محمد من حمص فشارك بعملين ينتميان إلى المدرسة الواقعية يتخللها شيء من التعبيرية، في الأول صوّر أنثى في حالة انتظار وترقب وأضفى على حالة الانتظار بارقة أمل بأوراق شجرة اللبلاب وأفرد ركناً صغيراً للجرة والحصيرة، بينما عبّر العمل الثاني عن حزن أنثى خسرت كل شيء إلا أن الأمل ببداية جديدة مازال موجوداً بدلالة الضوء المتسرب من الأعلى إلى وسط اللوحة على الوجه والعنق، بالتركيز على الكتلة الضوئية المنارة في وسط اللوحة.

وأوضح بأن الملتقى كان فرصة للقاء مع الفنانين والاستفادة من تجاربهم المتنوعة من مدارس أخرى، كونه يرسم الواقعي التعبيري.

خيارات دقيقة

وتحدث الفنان الفلسطيني محمد الركوعي مؤسس الملتقى ومموله عن فكرة الملتقى منذ البداية: الملتقى الأول كان لمجموعة أصدقاء، وفي الملتقى الثاني تبلورت الفكرة باختيار فنانين إلا أنه صادفتني بعض الإشكاليات بالاختيار، وكان من الاقتراحات التي وجهت لي اختيار ودعم الفنانين الصاعدين، لكنني ارتأيت مساعدة واختيار الفنانين المحترفين المعروفين المتفرغين للفنّ، فكان الملتقى الثالث الأكبر وتميز بتنوع بالمستويات وأنتجنا ثلاثين لوحة.

الرأسمال الوطني المثقف

أما عن اقتناء اللوحات، فبيّن بأنه من الصعب في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية الاقتناء، والدولة تساعد قدر إمكاناتها، المطلوب دعم الفنانين من قبل الرأسمال الوطني المثقف، النخب المهتمة بالثقافة، ونحن كفنانين ومثقفين من واجبنا دعم مسيرة الفن والأدب وكل ألوان الثقافة.

وأشار إلى  فكرة هامة بضرورة التمييز بين الفنان الرسام والفنان المنتج لوحة، فليس كل فنان يكون قادراً على إنتاج لوحة متكاملة جذابة.