“أخوة الجنون”على مسرح ثقافة حمص.. تحريض على المواجهة والتحدي
آصف إبراهيم
يسعى المسرحي الشامل والعتيق زيناتي قدسية إشعال شمعة في فضاء المسرح السوري، بدلاً من تكرار لعن الظلام والإمكانات المادية الفقيرة، عبر الاشتغال الدوري على مسرح جماهيري، أو فرجة شعبية إن صحت التسمية، منطلقاً من مدينة حمص التي باتت مستقراً مسرحياً له بعد تعاونه المتكرر مع مسرحها القومي وفرع نقابة فنانيها لإحياء فرق مسرحية طارئة، أنتجت مجموعة عروض جماهيرية ناجحة قياساً بالوضع العام للمسرح في حمص على وجه الخصوص.
ويطالعنا قدسية اليوم بعرض جديد من تأليفه وإخراجه وتمثيله مع فرقة نقابة الفنانين بحمص، والتي تضم مجموعة من المسرحيين المخضرمين منهم حسين عرب، أفرام دافيد، بشار منصور، طارق جبور، إلياس فرهود، ليث كراكيت، عز الدين عيسى، زين الدين قلعاوي.
يحمل العرض عنوان “إخوة الجنون” قدمه زيناتي قدسية سابقاً في مهرجان محمد الماغوط الفائت على مسرح ثقافي سلمية، واليوم يحل ضيفاً على مسرح قصر الثقافي بحمص الذي يغص بجمهور خبر مسرح قدسية وتفاعل معه، رغم الاستنساخ المتكرر للأسلوب و التغريب البريختي الذي يصر قدسية على التمسك به واستحضاره في أغلب عروضه، التي يجعل من نفسه محورها وركيزتها الأساس، والكاركتر المتنقل والمكرر بكافة ملامحه وتشكيلاته الحركية والدرامية بين عرض وآخر .
ينتمي العرض إلى الكوميديا الهادفة، أو ما يحلو للبعض تسميتها سوداء، تحاول أن تستنبط الضحكة من المأساة، والتهكم من حال الواقع بحوار ساخر، ولأن واقعنا مأساوي على كل المستويات يجرب قدسية في عرضه حالة الهروب من هذا الواقع ، نحو الجنون، لكي ينأى بنفسه عن هموم الواقع ومشاكله، فهل ينجو الإنسان عندما يلوذ بنفسه نحو الجنون والإحساس بلذة العيش؟ .
ينتمي العرض إلى الواقع الآني بكل تعقيداته ومفرقاته المؤلمة، ويدور حول مجموعة من الأشخاص اتخذوا قرارا بالنأي بأنفسهم عن كلِّ ما يجري حولهم، ويُمثِّل قرارهم فكرة الهروب من جحيم الواقع المحيط بهم إلى الجنون، مُشكِّلاً حالة انهزامية إلى عالمٍ غامض مملوء بالتناقضات، لينجوا بأنفسهم حسب اعتقادهم، فراحوا يقضون أوقاتهم بالضحك واللعب والاستمتاع بالحياة الآمنة في مكان منعزل لا أحد يعرفه. وخلال ذلك يمرُّ ضريرٌ يُردِّد كلماتٍ لها علاقة بالموضوع ويدعو الناس إلى مواجهة الظلم المُحدق بهم، مُبيِّناً أنه من واجبهم اتخاذ موقف يواجهون من خلاله كلَّ ما يجري حولهم من أحداث تعنيهم بشكلٍ أو بآخر، وفي حال اعتقادهم النجاة بالعيش بأمان فإنهم يرتكبون خطأ واضحاً سيجعل مصيرهم ينحو باتجاه الدمار عاجلاً أو آجلاً، لأن الظلم لا يفرق بين الصالح والطالح أو بين شخص وآخر.ليؤكد لنا العرض أن الحل الوحيد للخروج من عنق الزجاجة هو المواجهة والتحدي والعمل،فالضرير أبصر الهدف أكثر من المبصرين لأنه يمتلك الحكمة والعقل الذي بهما نتغلب على كل مشاكلنا .
شكل عرض “إخوة الجنون”حالة هارموني بين الممثلين الذين أتقنوا لعبة الجنون، وأجادوا في توظيف إمكانياتهم الانفعالية في رسم جوهر الشخصية وتماشيها مع الفكرة والرسالة، دون الحاجة إلى عناصر مساعدة رغم وجودها الشكلي.