مجلة البعث الأسبوعية

أنديتنا بين ضعف الإدارة ومتطلبات الاحتراف.. عجز وإفلاس ومشاكل لا تنتهي والحلول المؤقتة أثبتت فشلها الذريع

البعث الأسبوعية-ناصر النجار

دخلت العديد من الأندية مرحلة الخطر الشديد بعد أن سبقتها مرحلة التحذير والانتباه من الوصول إلى هذا المستوى الذي يؤدي إلى نهاية الأندية وإغلاقها وتحويلها إلى منتديات ومقاه ومطاعم، بعد أن فشلت بتحقيق الهدف الرياضي الذي من أجله أنشأت.

والمتابع لأحوال الأندية الأخيرة نجد أنها تسير على عكازين وقد تبين للجميع مساوئ العمل داخل هذه الأندية فخرجت السلبيات للعلن بعد أن بقيت تدور في الكواليس فترة من الزمن، وعندما يكون أكبر ناديين في أزمة شديدة فإن هذا سينعكس على رياضتنا بالسوء بشكل عام، ومن الأمور السلبية التي ظهرت هذا الأسبوع عجز نادي الوحدة عن دفع أجور حكام ومراقبي فريقه مع الكرامة في الدوري الأولمبي ما اضطر النادي الضيف لدفع الأجور لتستكمل المباراة، والأسوأ من ذلك أن مدير فريق الوحدة تطاول على الحكام وأساء لهم ليؤكد على أن النادي لا يعاني من العجز المالي فقط فهناك عجز فني وآخر انضباطي، والغريب أن النادي لديه شركة راعية كبيرة تدفع للنادي كما أعلن رئيس النادي مليارات لدعم صندوق النادي وألعابه، فأين صٌرفت هذه الأموال ولماذا وقع في العجز؟

وإذا كان هذا حال نادي الوحدة وهو يملك المنشآت والاستثمارات في أفخم مناطق دمشق ولديه الرعاية والدعم، فماذا ستقول بقية الأندية التي لا تملك ربع ما يملكه نادي الوحدة؟

والمشكلة القائمة أن الكل يتخفى خلف إصبعه، فيحيل كل هذه الأزمات إلى الواقع الاقتصادي الصعب، لكن هذا الواقع يظهر في مكان، بينما لا نجده في مكان آخر، وعلى سبيل المثال فإن التعاقد مع اللاعبين المحترفين سواء المحليين أو الأجانب لا يوحي لنا بأن الأندية تواجه أزمة مالية، فلولا البحبوحة من المال ما تجرأت الأندية على إجراء كل هذه التعاقدات.

والكلام هذا لا يشمل نادي الوحدة فقط، بل يشمل كل الأندية التي تعاقدت مع لاعبين محترفين من خارج النادي سواء كانوا محليين أو أجانب.

غياب النجاح

وإذا خرجنا من حزمة الأندية التي تعاني من أزمات مالية إلى الأندية المرتاحة مالياً وهي قليلة، فإننا لا نجد العطاء المطلوب والتطور المفترض، وعلى سبيل المثال نادي الفتوة الذي لا يمارس إلا كرة القدم، ومع ذلك فشل في مشاركته الآسيوية أمام فرق من طينته، وخرج بثلاث خسائر من أربع مباريات خاضها، وفريقه يضم نخبة كرة القدم السورية، وللأسف نضيف أن النادي مهتم باستيراد اللاعبين فقط بينما فرق القواعد تعاني من الإهمال وعدم الاهتمام.

وهناك أندية كروية فضلت العيش في ظل كرة القدم، من مبدأ الابتعاد عن المنافسة التي باتت تتطلب أموالاً طائلة كالشرطة والمجد والمحافظة والنواعير والجزيرة وعفرين وغيرها، وقد كانت يوماً ما من أبرز الأندية الكروية وبعضها يحمل في تاريخه إنجازات وبطولات.

والسبب الرئيس في ذلك قوانين كرة القدم التي منحت الأندية صلاحيات تبين فيما بعد أنها غير مؤهلة لها، ومنها قانون الاحتراف الذي خرّب الأندية وبات يحتاج إلى قراءة متأنية ليكون متناسباً مع الظروف والأحوال وضابطاً للصرف غير المشروع.

ونعلم أن القانون الرياضي جعل الأندية مستقلة ذات شخصية، تملك قرارها ولها حق التصرف المالي لكن أثبتت الأيام أن هذه الاستقلالية تحتاج إلا ضوابط، وهذه الضوابط مسؤولية الاتحاد الرياضي العام واتحاد كرة القدم.

الحديث في هذا الموضوع طويل وشائك ومعقد، وبالفعل باتت أنديتنا تحتاج إلى حلول جذرية عاجلة قبل أن يصعب الحل، ونقدم اليوم نموذجين من أنديتنا التي تعاني الكثير من الأزمات.

رياح هوجاء

في نادي الوحدة قصص كثيرة يمكن أن تحكى وملفات كثيرة يمكن أن تفتح، وكل شيء مازال طي الكتمان، ولا أحد يدري ما يحدث داخل النادي، لكن الجميع يدرك تماماً أن وضع النادي غير مريح وأنه يسير نحو الهاوية شاء من شاء وأبى من أبى.

ونحن هنا نتحدث عن القضايا المطروحة للعلن ولا نتدخل فيما يجري وراء الكواليس رغم أننا نملك الكثير من أدلة الاثبات عن أمور داخل النادي غير صحيحة منها ما هو إداري ومنها ما هو مالي ومنها ما هو فني، وإذا اتبعنا سياسة النأي بالنفس عن مجمل هذه القضايا حتى لا نغوص في مستنقعها إلا أن مجملها في أضعف الإيمان يدل على سوء إدارة وعدم الخبرة في قيادة نادٍ كبير بحجم نادي الوحدة الذي بدأ يتهاوى شيئاً فشيئاً.

الاتهامات السابقة بين الإدارات المتعاقبة لم يحسم فيها أي شيء وهي اليوم في أروقة المحاكم بين أخذ ورد، وبغض النظر عما ستؤول إليه إلا أننا نفهم من هذه القضايا أن الأمور المالية غير سليمة، وهناك من يعبث بأموال النادي، لذلك نجد أن الخاسر الوحيد هو النادي وكل من يدعي حب النادي والحرص عليه هو غير صادق في حبه وولائه وانتمائه، ويكفينا كدليل على ذلك ما وصل إليه من حال بات يستحق عليه الشفقة!

ورغم أن القضايا الشائكة التي تحدثنا عنها آنفاً لم تنته بعد، فقد ظهرت قضية أخرى أقيل على أثرها أحد أعضاء الإدارة من النادي بقرار من المكتب التنفيذي ، وقيل في مضمون هذا القرار عن مخالفات كثيرة، وأيدت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي هذا القرار ونشرت عدداً من المخالفات التنظيمية والمالية كدليل جديد على فوضى العمل وسوء الإدارة، ولم يعد أحد يتكلم عنها بشيء، ربما طويت مثل غيرها وربما ستقيد ضد مجهول، وبغض النظر عن التفاصيل وما يمكن أن يظهر في هذه القضية من تطورات مستقبلاً، إلا أنها توحي أن العمل في النادي بكل أركانه لا يسير وفق الأنظمة والقوانين.

بعد ذلك نسمع عن مطالبات مالية كثيرة من اللاعبين، فالعديد من اللاعبين لهم بذمة النادي مستحقات مالية من خلال العقود المبرمة، والإدارة غير قادرة على السداد، أما المشاريع الاستثمارية داخل النادي فترسم العديد من إشارات الاستفهام، وهذه مصيبة لوحدها وهي قضية تحتاج لدراسة مستفيضة وفتح ملفها يحتاج إلى مواضيع منفصلة ومستقلة.

وكل هذه المسائل وغيرها التي لم نتطرق إليها تؤثر بلا شك على الناتج الرياضي، لذلك فإن الفشل في قيادة النادي إدارياً ومالياً سيؤدي بلا شك إلى فشله على الصعيد الرياضي، وهذا كله تدفع ضريبته فرق كرة القدم في النادي التي باتت تثير الشفقة، وها هو الفريق الأول يحتل موقعاً لا يليق باسم النادي، فالفريق على فوهة بركان من خلال نتائج سلبية وعروض يندى لها الجبين، وعقود باتت تثير التساؤلات عن أوضاعها، فالعديد من اللاعبين تبين أنهم عالة على الفريق، لذلك يسأل محبو النادي: من وقع العقود مع هؤلاء اللاعبين؟ وهل هو يملك الخبرة الكافية في عملية انتقاء اللاعبين؟

والمشكلة الأخرى أن الكثير من اللاعبين باتوا يطالبون النادي بما عاهدهم عليه من عقود ومرتبات، وعمليات التسويف ما زالت مستمرة، وحسب المتوفر لدينا من معلومات فإن النادي بحاجة إلى (كذا) مليار ليكون قادراً على متابعة الموسم الرياضي بكرتي القدم والسلة فقط.

والمشكلة لم تعد مقتصرة على سوء الأداء والنتائج على فريق الرجال وحده، فها هو الفريق الأولمبي وفريق الشباب بوضع مماثل، أي إن كرة القدم في النادي مريضة ووضعها غير سليم وهو حصيلة طبيعية لخطأ ما في قيادة هذا النادي.

وبعد كل هذا يقدم رئيس النادي استقالته على شاشات التلفزيون، ولو كان جاداً لقدمها بشكل قانوني، ولكنها حركة إعلامية مكشوفة لا تقدم ولا تؤخر.

مثال أخر

نادي أهلي حلب وهو الركن الركين ليس في الكرة السورية وحدها، بل هو معقل الرياضة السورية، يعاني هو الأخر من مشكلة وحيدة وهي سبب خراب النادي والرياضة فيه، والمشكلة أن كل أبناء النادي يتنافسون فيما بينهم على خراب النادي!

فكل الإدارات السابقة فشلت في مهامها، لأن عملت لذاتها أكثر مما عملت للنادي، وكل من استلم مهمة في النادي حسبها ملكه الشخصي، ولم يقتصر الأمر على هذا فقط بل إن كل إدارة قائمة تجد من ينازعها في عملها من هم في الخارج، فكل الإدارات تواجه حرباً خارجية من أبناء النادي الذين لا عمل لهم سوى حبك المؤامرات وإشعال الفتن.

والتفاصيل لا جدوى من ذكرها لأنها معروفة للجميع بكل مفرداتها المملة، اليوم نجد أن الجميع يتحدث عن أزمة مالية خانقة وعن ديون تتجاوز بقيمتها العديد من المليارات، فالنادي في عجز مالي كبير ولا يمكن لأي إدارة أن تنقذ النادي من هذا العجز.

العمل الاستثماري في النادي غير صحيح، وهناك مشاكل كبيرة لا نعرف لمصلحة من ستنتهي ومتى تنتهي، وللأسف منذ أكثر من عشر سنوات نسمع عن (قضية الفراغات) ولا ندري أين وصلت ومتى سنشطبها من ذاكرتنا، وهناك أمور كثيرة غيرها، فالوضع الاستثماري غير صحيح وهو أحد أسباب العجز المالي.

الحلول لا نملكها نحن لأننا لسنا أصحاب قرار، لكن يمكن لأهل الحل والربط أن يضعوا الحلول الممكنة من خلال خطة عمل صحيحة، فلا شيء يعجز أمام الحل إن وجدت النية الصادقة والعزيمة الجادة على إيجاد الحلول لكل المشكلات والعمل على تنفيذ هذه الحلول بصدق وأمانة.

مثل نادي الوحدة، كل هذه المشاكل تنعكس على العمل الرياضي، ومع أن القرار الذي اتخذته إدارة النادي الحالية بالاعتماد في كرة القدم على أبناء النادي وخصوصاً الشباب والمواهب، إلا أن هذا القرار الصائب يواجه رفضاً لدرجة الهدم من أولئك الذين هم خارج النادي، ومع قناعتنا بأن مثل هذا التوجه نحو أبناء النادي صحيح لكنه يجب أن يترافق مع الصبر على الفريق لأنه من المستحيل أن يحصد النادي النتائج بشكل مباشر، لكنه سيجد فوائد ذلك في المستقبل، ومع ذلك نجد تحطيماً للمواهب والخبرات الشابة من أبناء النادي بالذات، ولو أن معارضي هذا التوجه نجحوا سابقاً مع المحترفين ولاعبي الخبرة من خارج أبناء النادي فحققوا البطولات والألقاب لقلنا إن وجهات نظرهم تصب في الطريق الصحيح.

ونادي الحرية الجار بوضع مماثل وهو يسير إلى الهاوية بخطوات متسارعة، والكل يراقب هذا السقوط دون أن يكون هناك من هو قادر على الإنقاذ، والحقيقة أن كل أنديتنا تحتاج إلى إنقاذ من خلال حلول ناجعة بعد أن أثبتت الحلول الاسعافية أنها مؤقتة ولا تفي بالهدف والغاية.