قلق وحيرة حيال التصريف والاستبدال والأفران آخر المتعاملين المتأففين.. هل يطيح التداول التالف ولا جدوى الإصدارات بفئات الخمسين والمئة والمئتي ليرة..؟
دمشق- علي بلال قاسم
تعطي حالة العزوف عن تداول بعض الفئات النقدية الصغرى من قبيل “المئتين، المئة، الخمسين الورقية” هذه الأيام مقاربات تتقاطع مع المواصيل التي طالت من قبل أخواتها “الخمسة والليرتين والخمس وعشرين والعشرة المعدنية”، بفعل الغلاء والتضخم ذائع التأثير في زمن التشوّه الاقتصادي، وإصابة الأنشطة والفعاليات في مقتل القلة وهيجان فاتورة التكاليف والمستلزمات في أي ميدان إنتاجي وخدمي.
ومع إصرار أولي الأمر على سريان العمل بهذه الفئات فاقدة القيمة، وعدم الجدوى الاقتصادية على إصدار طباعات جديدة، يبدو أن التلف والخربان والتفتّت الذي طال هذه الوحدات النقدية جعل من مشاهد الإساءة المتعمدة “للعملة المحلية” مشكلة وطنية تستدعي التحرك السريع لإنقاذ الموقف، إما بالإخراج من التداول أسوة بالليرة المأسوف على إبعادها من السوق “كولاء وانتماء” بموجب القرار رقم 3332 لعام2013 ، أو بخطوة التفافية أخرى –تسري الشائعات هذه الأيام لتبنيها وتتعلق بتحريك سعر ربطة الخبز المدعومة– والتي ولحين كتابة هذا المقال 200 ليرة، حيث تبقى كوات المخابز والأفران الحيّز الوحيد الذي يتمّ صرف المئتين وبالمعية المئة وقليلاً الخمسين، لتجد أمام موظفي المخبز تلالاً من هذه الفئات، لا يخفي معظمهم التأفف من حرص الكثير من المواطنين على تصريفها لدى المخابز لقاء ربطة أو ربطتين، ما يشكل عبئاً بالنسبة للسيدة “ك” موظفة بيع الخبز في فرن المزة الآلي -جار صحيفتنا– والموظفة “ك” لا تتوقف عن التذمر من أي مواطن يعطيها مئات أو مئتين، مدعية أن الفرن غير مستعد للتعامل مع عملات قديمة من هذا النوع مصيرها الإهمال -كما تقول-، في وقت يضرب الطناش أطنابه على إعادة الفراطة لمواطن قدم خمسمائة لقاء ربطتين وألفاً لقاء ست ربطات.
5،4 طن ليرات مجمعة
في جزئية الحلول ثمّة ما يستدعي إعادة تفريخ تلك الحملة التي نشطت مطلع عام 2020 على مستوى الفئات الورقية “المقصودة بالحديث” عندما طرح تجار وأصحاب مهن مختلفة لبيع السلع أو تقديم الخدمات مقابل ليرة واحدة، كموقف داعم للعملة الوطنية، وقتها سحبت كلّ الحيازات الشخصية والتجارية لفئة الليرة، ليفاجئنا صيف العام الماضي بمجسم الهيكل الخارجي للمصرف المركزي والذي أخذ حيزاً من بهو البنك المركزي استخدمت في صنعه العملة المعدنية التي خرجت من التداول، وجمعها التّجار واستثمرت لتصميم المجسم الذي استهلك 225 400 قطعة من فئة الليرة و103500 من فئة نصف الليرة و14800 من فئة الـليرتين، ليبلغ وزنه مع القاعدة المكونة من حديد وخشب نحو 5 أطنان و400 كيلوغرام. حتى الـ500 والـ1000 وهنا لا تخفي بعض الأصوات مقترحها بطرح سلع أو خدمات بخمسين أو مئة ومئتي ليرة، لدعم الاقتصاد الوطني في هذه الظروف الأكثر خناقاً وصعوبة مما كان عام 2020، ليسأل مهتمّ ومتابع، ماذا سيعمل بها التجار والمشاركون من تصاميم ومجسمات تتفاخر بها البنوك والمصارف الوطنية؟، في توقيت يتجنّب المتعاملون بمبالغ كبيرة تسلم وتسليم أوراق حتى من فئتي الخمسمائة والألف، بسبب رزمها الكبيرة، ولاسيما الطبعات القديمة المهترئة، وفي أحيان كثيرة يتمّ في التعاملات اشتراط الحصول على فئتي الألفين والخمسة آلاف، لتخفيف أعباء حمل رزم النقود.
وبحسب مصادر في السوق، أدّى الطلب على الفئات النقدية الجديدة من الألفين والخمسة آلاف إلى نقصها في السوق، ما دفع المصارف وشركات الصرافة إلى طرح الفئات القديمة المهترئة لتعويض نقص السيولة في السوق.
رفض التعامل
وينتاب المواطن حالات قلق وحيرة يومية حيال تصريف بعض الأوراق المالية المهترئة، وخاصة من فئة الـ«الخمسين والمئة والمئتي ليرة» التي أصبحت بمعظمها تالفة بسبب كثرة تداولها في السوق، ويصل الأمر في معظم الأحيان إلى رفض بعض الباعة أو سائقي الحافلات استلام تلك الأوراق من المواطنين، والعكس صحيح أيضاً، وغالباً ما يكون سبب ذلك الرفض هو أنه لا يمكن تصريف تلك الأوراق النقدية، حتى أن استبدالها من مصرف سورية المركزي قد يكون صعباً بالنسبة للمواطنين العاديين، فلا أحد لديه الاستعداد لمراجعة المصرف المركزي لاستبدال ورقة أو اثنتين، حتى فئة «المئة ليرة» تكاد تلحق بفئة «الخمسين ليرة» لناحية التلف والاهتراء بسبب كثرة تداولها أيضاً.
تعليمات مشددة
ومن نافل القول إن مصرف سورية المركزي عندما يطرح ورقة نقدية لسبب تلبية متطلبات السوق لكونها ستحلّ مكان أموال قديمة مهترئة، ولطالما يشدّد المركزي على أن لديه تعليمات مشدّدة للتعامل معها وتحظر تشويهها بأي رسومات أو كتابات أو أختام، ويوضح المركزي في تعليماته أنه يحق لأمناء الصناديق في المصارف رفض قبول الأوراق المشوهة ومصادرتها بما يعرّض حاملها لخسارة قيمتها، ولكن الحال بالنسبة للأوراق المالية من فئة «خمسين ومئة ليرة» هو أن الجزء الكبير منها أصابه الاهتراء بسبب كثرة التداول.
ويطالب الكثير من المتابعين والتّجار بضرورة إصدار فئات نقدية جديدة بديلة للفئات التي أصابها التلف والاهتراء، وبشكل يتناسب مع الفئات التي صدرت حديثاً ويحافظ على سلامة الأوراق النقدية السورية وحمايتها من التعرّض للتلف نتيجة كثرة التداول ويضمن تكامل وانسجام الفئات المطروحة، سواء من حيث الرسالة التي تقدمها الأوراق أو من حيث الألوان والمقاييس والميزات الأمنية، وبما يتناسب مع تطور طباعة العملة عالمياً، إلا أنه من الجدير التوقف عند تكاليف الطباعة الباهظة والتي يدخل في تركيبتها أكثر من نوعين للمعادن، ولكنه أيّد ضرورة أن يقوم مصرف سورية المركزي بطرح أوراق نقدية جديدة من فئات الـ«2000 و5000 ليرة» على اعتبار أن فئتي الخمسين والمئة ليرة أصبحتا منخفضتي القيمة.
طلبات استبدال
وتقول الأخبار الصادرة عن مصرف سورية المركزي بأنه يستمر بتلقي طلبات استبدال الأموال المشوهة من قبل المواطنين الذين قاموا بتخزين أموالهم في أماكن عرضتها للتلف والتشوه، أو تعرضت لحوادث أخرى غير متوقعة.
وبحسب محضر اللجنة المشكلة في البنك المركزي والمكلفة بدراسة الأوراق النقدية المشوهة فإن أسباب التشوه، كما بينتها الوصوف المقدمة من أصحابها لحال أوراقهم النقدية التي تعرّضت للتشوهات، تنوعت بين كثرة استخدام وانتهاء العمر الزمني كمنتج ورقي وحرائق وسوء التخزين والرطوبة، إضافة إلى تشوهات نتيجة القوارض والصدأ. وللعلم فقد خسرت الليرة السورية الكثير من قيمتها في السنوات الأخيرة، ما رفع معدلات التضخم إلى مستويات مخيفة، كما ارتفعت بمستويات قياسية، وتضاعفت تكاليف المعيشة جراء ارتفاع سعر صرف الدولار، ما أدى إلى اختفاء وقلة تداول في الفئات النقدية الصغيرة.