مجلة البعث الأسبوعية

“بازار حلب” أنموذج مميّز لتطوير الحرف التّراثية

البعث الأسبوعية ـ غالية خوجة

ما أهمية المعارض الإنتاجية القائمة على الاستثمار في الطاقة الظليلة لتصبح محورية، ولاسيّما أنها مبنية على تنسيق المهارات المحلية، وتحريك الحرف الفلكلورية والأشغال اليدوية باتجاه الحياة اليومية؟

فنون متنوعة بين الموهبة والحرفة والتراث صنعت لوحة تشكيلية كبيرة ضمّتها مبادرة “بازار حلب” التي أقيمت في فندق “شيراتون”، بتنيظم محافظة حلب بالتعاون مع مؤسسة “الكنانة” للمعارض والمؤتمرات للإعلامية كنانة علوش التي بينت أنها أطلقت المؤسسة منذ 4 سنوات، وفكرتها كانت حاضرة لكن الحرب أجّلت الكثير من المشاريع.

وتابعت: “بطبعي.. ومثل كل السّوريين، أحب الحياة، وأعمل على الأفكار النشطة، والروح المتحركة، وأحب الناس ووجودي معهم أكثر من وجودي في بيتي، وهذه المحبة الاجتماعية وسط جميل لتبادل الطاقات الإيجابية، والأفكار المضيئة، ولأنني أحب إقامة المهرجانات، وأعشق الأشغال اليدوية للسيدات المبدعات السوريات ولاسيما الحلبيات، كنت أصوّر المعارض كمراسلة لقناة “سما” السورية، وقبلها، كنت مذيعة في التلفاز السوري، وهذا العشق جسدته في المعرض، خصوصاً، وأن الفتيات والسيدات واصلن نتاجاتهن المتميزة والفريدة أثناء الحرب رغماً عن كل الصعوبات.

بين 15 و75 عاماً

وحول المشاركات وأعمارهن، تحدّثت علوش: “يجمع البازار أجيالاً مختلفة، وتبدأ أعمار المشاركات من الـ 15 عاماً وتصل إلى الـ 75، وشاركت 200 سيدة وفتاة معنا، ومنتوجاتهن مميزة بين الإيتامين والإكسسوارات المختلفة، والطبخ الحلبي والمأكولات العربية أيضاً، والأزياء المنسوجة يدوياً من الصوف والقطن وخيوط متنوعة، والمطرزة يدوياً بنقوش فلكلورية ومعاصرة، ولوحات مرسومة على المرايا والزجاج والأدوات المنزلية، ولوحات فسيفسائية، ولوحات مرسومة بحجارة بلدية، وهي منتوجات قابلة للاستعمال اليومي مثل صناديق الضيافة والصواني والساعات وأدوات متعددة أخرى، ومجسمات وأشكال خامتها الصابون والشمع المعطر وغير المعطر، ولوحات فنية تعبّر عن حالات مختلفة منها الرومانسي والطبيعي والواقعي والخيالي، ولوحات من الأشغال اليدوية، وكذلك، فنيات الرسم على الخشب، والملفت استمرار فن “كسر الجفت” وهو فن الفضة المطرزة بخيوط الفضة لتكون أطباقاً وإكسسوارات وأشكالاً مختلفة ومتنوعة، إضافة لشجرة الميلاد وإكسسواراتها وهدايا الأعياد”.

تفاعل إيجابي على طريق الحرير

وبسؤالها عن إمكانية أن يصبح البازار دورياً وفي المكان ذاته؟ وأيضاً بالسّؤال عن أسعار المنتوجات، أجابت علوش: “نتيجة التفاعل المجتمعي الكبير الذي لمسناه في الدورة الأولى الحالية لهذا البازار، قررنا أن يصبح شهرياً، واخترنا شيراتون لموقعه الاستراتيجي في مركز المدينة التراثي القريب من ساعة باب الفرج وأماكن تراثية عريقة أخرى من حلب القديمة، وقد نستمر هنا، أو نغيّر الأمكنة، لنكون مرة قريبين من قلعة حلب، ومنارة حلب، وغيرها، لأن كل مكان في حلب يحتفظ بذاكرة طريق الحرير”، مضيفةً: “أمّا بالنسبة للأسعار فهي متناسبة مع التكلفة الأساسية للمواد والجهد الإبداعي الذي تقدمه كل مشاركة، وبيعت المنتجات بأكملها بين اليوم الأول والثاني، لدرجة أن الكثير من المنتجات المعروضة نفدت وما يزال الطلب ملحّاً عليها، ووصل عدد الزّوار للآلاف، والملاحظ أنهم لم يأتوا للمشاهدة فقط، بل للتسوق”.

تطوير الذات وفنها ودعم المجتمع

أمّا عن أهداف البازار، فأوضحت علوش: “نمتلك ثروة فنية إنسانية تجمع الفكر والمخيلة والفن واليد الماهرة، ومن خلال هذا المعرض نضيء على الحرف والمهن الفنية التراثية والمعاصرة، ومن ناحية ثانية، نضيء على المرأة السورية ومنتوجاتها تسويقياً وترويجياً من خلال الوسائل المختلفة منها الإعلام والتواصل الاجتماعي، ومن خلال الحملات الإعلانية الواقعية والافتراضية، ومن ناحية ثالثة، لمست أن السيدات المشاركات سعيدات بالنتائج، لأنهن حققن عدة أحلام منها أنهن عبّرن عن مواهبهن بفنون مختلفة، وأنهن ومن خلال ورشاتهن المنزلية الصغيرة استطعن تطوير مواهبهن، وتطوير ذواتهنّ، وتحقيق شخصياتهن المنتجة، واستطعن دعم أسرهنّ وإنتاجهنّ الذاتي، ودعم المجتمع بمنتوجاتهن المطلوبة.

أين طاولة الكتب وركن القراءة؟

وحين سألتها: لماذا لم أجد طاولة للكتب الأدبية والعلمية والفنية ولا سيما المتعلقة بفنون هذه الأشغال والحرف الفلكلورية؟ ولماذا لا يكون هناك ركن للقراءة أيضاً؟

أجابت علوش: “اقتراح جميل، وسيكون الكتاب حاضراً معنا في البازار القادم، وقد نعتمد على المتبرعين بالكتب، ونعرض الكتب المقتناة، مع تخصيص زاوية للقراءة في كل المجالات، ونخصص منها للأطفال والجيل الشاب أيضاً”.

وتحدّثت علوش حول الإعلام ودوره في تسليط الضّوء على هكذا نشاطات فقالت: “ليس دور الإعلامي، فقط، تسليط الضوء على مثل هذه المشاريع والمبادرات والفعاليات، وأخبارها وقصصها، بل دوره إنساني أيضاً، وذلك من خلال الدعم والمساهمة في إضاءة أبعادها وتقديم الاقتراحات لتطويرها والتعاون معها بالطريقة المناسبة، وأشكر كل إعلامي يقوم بدوره الإنساني والاجتماعي والثقافي، لأننا معاً نجسد تفعيل البعد الوطني في سوريتنا الحبيبة في كافة الظروف، لذلك، أدعم السيدات من خلال علاقاتي كعضو في لجنة سيدات أعمال غرفة صناعة حلب، وأسعى لإقامة بازار حلب خارج سورية، في الدول العربية، مثل الإمارات وعُمان ودول الخليج عموماً، والجزائر، وتونس، ومصر، ريثما تعود الحركة السياحية كما كانت في وطننا”، وعلى الصعيد الإنساني، لديّ مبادرة خيرية باسم “دقات سورية”، تُعنى بتقديم الدعم للعمليات الجراحية وللمتضررين من الزلزال”.

أفكار متنوعة

وقريباً منا، كانت تقف أليسار نائب ـ فريق تنظيم مؤسسة الكنانةـ فسألتها عن فكرة المعرض وآثاره وفقدان الكتاب، فأجابت: “حضور الكتاب ضرورة، فمثلاً، أنا أبحث في المكتبات عن كتب لقراءتها، فأشتريها أو أستعيرها، وأؤيد أن يكون للكتاب وجوده في كل مكان ومعرض ومهرجان وفعالية ثقافية وفنية واجتماعية، أيضاً، أن تكون زاوية للقراءة لأنها محببة للجميع”.

حجر السلام والطمأنينة

وبدورها، تحدّثت غدير زنابيلي المشاركة بلوحاتها الحجرية الملونة مختلفة الاستعمالات: “أنا خريجة أدب إنكليزي، وفريقي “آرام” يعني السلام الطمأنينة باللغة السورية القديمة، وهو اسم حفيدي، وعبّرت عنه من خلال منتوجاتي، وأعمل بهذه المهنة في منزلي منذ سنوات، وأفضّل تقديم الجديد غير المألوف، وأعتمد على حجارة البناء الملونة، والسيراميك القيشاني، وتهمني الديمومة، وأوظف هوايتي الرسم بالألوان الزيتية مع أعمالي الحجرية والسيراميكية، وأنجزت لوحة لسيدة الياسمين، وجعلت من صينية الضيافة والصناديق واللامباديرات وغيرها قطعاً فنية، ومشروعي القادم حارات حلب القديمة والتراثية بالحجارة الحلبية الطبيعية”.

قصة عشق وخيط وكتابة

هناء فارس وعمرها يوبيل ماسي: “خريجة المعهد الرياضي، اكتشفتْ موهبتي في الرسم مدرّستي ابتسام المقيد، وشجعتني، فرسمت “الموناليزا” وأنا في الصف الثاني عشر، أعشق الإبرة والخيط والفن، وحين أشتغل أي قطعة أشعر كأنني أكتب قصة أو ملحمة، ولا أريد أن يقطع حالتي أحد، لأنني أكتب تأمّلاتي بالخيوط وأرسم بالأقمشة المختلفة، وأتبادل مع المواد طاقة الحب، وأشعر بأن الصمت أحياناً بكاء، ولا أستطيع البوح، لكنني أتكلم من خلال أشغالي اليدوية، أبادلها مشاعري التي تسكن كل غرزة ولون، وأنسجها بأفكار جديدة ومخيلة بلا حدود، وأكتب خواطري أحياناً، منها مثلاً أثناء الزلزال: “نحن أموات بلا أكفان”.