مجلة البعث الأسبوعية

النظام الدولي بين حشرجة الاحتضار وآلام الولادة .. ماهو الجديد ؟

د. مهدي دخل الله

عند كل تحول من نظام دولي إلى نظام آخر تتعرض العلاقات الدولية إلى هزة عنيفة تفرض نوعاً من التوتر الخطير في عدة بؤر . إنها حشرجة احتضار النظام أحادي القطب وآلام ولادة نظام متعدد الأقطاب ..

لنا , نحن السوريين , الفخر في أن تصدينا لأبشع الحروب أدى إلى إعلان موت الأول وولادة الثاني . أول صرخة للوليد كانت الفيتو المزدوج الروسي الصيني في 5/10/2011 ضد مشروع قرار أمريكي في مجلس الأمن يتعلق بسورية . لو لم تصمد سورية , وتتصدى , لتأجل موضوع الموت والولادة حتى ظهور حالة أخرى في العلاقات الدولية ..

وعلـــى الـــرغـــــم مــــن أنـهــــا ليســـت المـــــرة الأولـــى التـــي يمـــوت فيهـا نــظام ويولـــد آخـــر , إلا أن

« الحلة السورية » فريدة من ناحيتين :

الأولى : أن صمود الدولة السورية مع شعبها والانتقال السريع إلى التصدي هو حالة غير مسبوقة . فموت النظام الدولي المعادي للنازية وولادة النظام ثنائي القطب ( 1950- 1953 ) في بؤرة الحالة الكورية أدى إلى تقسيم كوريا إلى دولتين متواجهتين , وما زال هذا الوضع  المؤسف قائماً حتى اليوم في بلد شعبه واحد تماماً , لا أديان ولا طوائف ولا عرقيات تفرق بين أبنائه .

وعند موت ثنائي القطب لصالح نظام أحادي القطب ( 1989 – 1991 ) كانت البؤرة يوغسلافيا , التي شهدت حرباً ضروساً انهارت بسببها الدولة تاركة شعبها لمصيره . كانت النتيجة تقسيم يوغسلافيا إلى 6 دول متعارضة في التوجهات السياسية إضافة إلى دويلة سابعة اسمها كوسوفو انشقت عن صربيا ولم يعترف بها سوى عدد قليل من الدول ..

سقطت الدولة في كوريا فكانت النتيجة التقسيم , وسقطت الدولة قي يوغسلافيا فكانت النتيجة نفسها , أما في سورية فقد أدت الفرادة في صمود الدولة إلى منع التقسيم منعاً مطلقاً .. واليوم لم يعد أحد يجرؤ على ذكر فكرة تقسيم سورية .

الناحية الثانية : أن الفرادة السورية تأتي في وقت صعب , أصعب من الحالتين الكورية واليوغسلافية , مفادها أن الغرب يعاني من (( فراغ قيادي )) مخيف . أين القادة الكبار ؟ أين ديغول وتشرشل وبراندت ؟ أين روزفلت وأيزنهاور وكندي ؟ كيف يقود فرنسا وأيطاليا وأمريكا أشخاص مثل ماكرو وجونسون وبايدن ؟

افتقد الغرب الحكمة بسبب فقدان القادة الكبار , أصحاب القرار . وهذه ناحية سلبية تقابلها في الطرف الذي يواجه الغرب ظاهرة إيجابية تتمثل بوجود قائدين كبيرين في سورية وروسيا . هذا عامل مهم في الصمود والمواجهة , ولو أن في الغرب قادة كبار لكان الوضع أسهل بالضرورة .. علينا وعلى شعوبهم .