استثمار اللغة العربية عالمياً
غالية خوجة
هل تكفي الاحتفالات الشكلية والتقليدية والكلاسيكية باليوم العالمي للغة العربية الذي أقرّته اليونسكو في الثامن عشر من كانون الأول من كلّ عام؟.
بلا شكّ، هذه الاحتفالات مفيدة تذكيرياً، ولكن ما مدى فاعليتها على المدى القصير والطويل في التطوير المتواصل والمستدام للغتنا العربية المقدّسة التي ينتمي إليها وينطق بها ملايين من الناس؟.
هل وظفناها في توعية الأجيال لتكون لغتهم اليومية بديل اللهجة؟ هل غرسناها في بنيتهم التكوينية كونها انتماء وأخلاقاً وهوية وثقافة معرفية وفنية وعلمية وأدبية وحضارية؟.
هل احترمناها كما يجب؟ وإلاّ لما رأينا ظاهرة التهافت على إتقان اللغات الأجنبية الأخرى تغزو مجتمعاتنا العربية، ومن ثمّ.. تغزو عقول أجيالنا بمفاهيمها وأفكارها وأعرافها التي قد لا تناسب هذه المجتمعات العربية العريقة؟
قالت العرب: “من صحّ لسانه صحّ خُلُقه”، واللحْن اللغوي يعتبر انحرافاً يؤدي إلى انحرافات أخرى. وللأسف، هذا ما نلمسه واضحاً في مختلف الأوساط والمجالات، فأخطاء اللغة النحوية والإملائية يتقنها الكثير من الناس، ومنهم الكتّاب والعلماء والمتعلمون والإعلاميون، ومنتشرة حتى في الأوساط الجامعية التي صارت مروجة للهجة العامية من حيث تدري ولا تدري مثل شعار “عينك “ع” اختصاصك” بدل حرف الجر “على”!
والملفت، أيضاً، الاجتماعات المنعقدة باللهجة العامية وتكاد تكون مروّجة لها، وهذا ما لا نتمناه في الاجتماعات الثقافية والندوات والأمسيات، وكذلك في الدراما المحلية بكافة وسائطها، وفي بعض الإعلانات مثل “يللا”، وهذا لا يجوز مع الذات الإلهية يا “الله”، لأننا نفقد الكثير من النقاء المتفاعل مع اسم من أسماء الله الحسنى.
وكذا.. نرى بعض الخطاطين والفنانين كيف يكتبون أسماء الله الحسنى بالتناظر فتنقلب الكلمة المقدّسة بشكل معكوس، وهذا، بالطبع، ليس فناً، لأن المثقف بعرفان اللغة العربية وروحانياتها ومقاماتها الطِّباقية على كافة الأصعدة، يدرك أرواحَ الحرف كيف ترفّ، وإلاّ لما قدّس الله تعالى “الكلمة الطيبة” وشبّهها بلاغياً وفقهياً بالشجرة الطيبة.
باختصار، اللغة هي نحن، وجوداً وكينونة وفكراً وجذوراً وفروعاً، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، فماذا قدّمنا لها؟ أعني: لنا وضميرنا المفرد والجمعي؟.
ولنكون أو نكون، لا بدّ أن يكون لفعل الكون لغته النقية الحياتية اليومية، وضمن هذا الكون، أتساءل: ما الذي قدّمته بمنهجية مستدامة عواصم الثقافة العربية؟ ومجامع اللغة العربية؟ وجامعة الدول العربية؟ وما الذي تقدّمه الجهات المعنية من تعليمية وثقافية وفنية وعلمية، علماً، أن سوريتنا الحبيبة، السباقة، دائماً، في هذا المجال، وكانت أول من عرّب المصطلحات العلمية والتقانية ـ التكنولوجية؟ والمواطن العربي السوري جدير بلغته، لدرجة أنني سمعت خارج سورية إعجاب الناس بمواطننا السوري الذي يحاول قدر المستطاع التحدث باللغة العربية الفصحى لوسائل الإعلام المختلفة حتى لو كان لقاء ميدانياً عابراً ومفاجئاً، وكان مضرب المثل في العالمين العربي والأجنبي، وحالياً، لا يعقل أن يتفوق عليه أجنبي درس اللغة العربية واعتاد التحدّث بها أفضل من أهلها.
ولأن الحياة لا تكتفي بحياة ماضية، فلا بدّ من تجذير وتجديد وتطوير وابتكار الأساليب الموجبة لتطغى على السالبة، وأقترح أن تكون هناك مشاريع متداخلة المسارات، متشابكة الجهات المعنية تشابكاً فاعلاً فعّالاً يتجه إلى مجموعة من الخطط المنهجية الدائمة لاستثمار اللغة العربية، سواء من خلال تدريسها بهدف انتشارها أولاً، وبهدف استثمارها كمورد ماديّ اغتنت من ورائه دول أجنبية كثيرة لا تمتلك النفط والمعالم الأثرية والحضارة الثقافية والفنية العريقة التي وهبنا إيّاها الله، إضافة لاعتماد الأمة العربية لمشروع ترجمة العلوم والآداب العربية إلى اللغات الأخرى تساهم فيه الدول العربية كافة لتوحّدنا لغتنا العربية على الأقل، وهذا أضعف الإيمان.