قرار “لاهاي” عرّى الغرب الجماعي
تقرير إخباري
بأغلبية 15 صوتاً مقابل صوتين، أصدرت محكمة العدل الدولية قراراً لمصلحة جنوب إفريقيا، العضو في مجموعة بريكس، دعت فيه “إسرائيل” إلى اتخاذ جميع التدابير اللازمة للتوقف عن ارتكاب مجازر الإبادة الجماعية في غزة.
ويمكن القول: إن جنوب إفريقيا حققت انتصاراً كبيراً على الكيان الصهيوني، ومع ذلك، كما يؤكد أسطول المتهكمين العالميين، لم يتم إطلاق أي دعوة لوقف إطلاق النار في غزة. ويمكن القول أيضاً: إن الدعوة إلى وقف إطلاق النار لا تنطبق إلا على الحرب.
وفي سياق التعليق على قرار المحكمة، أشارت وزارة الخارجية في جنوب إفريقيا إلى أنه “إذا قرأ المرء الجملة، فهذا يعني ضمنياً” أنه يجب فرض وقف إطلاق النار، فقد تسبّب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في سقوط عدد لا يحصى من القتلى والجرحى، وتدمير البنية التحتية والوحدات السكنية، كما تسبّب في انهيار النظام الصحي، وتشريد أغلبية السكان”.
القرار ملزم، ولكن ماذا سيحدث إذا تجاهلت “إسرائيل” القرار ببساطة؟ ومع الأخذ في الاعتبار أن الكيان الإسرائيلي مطالب بتقديم تقرير عن الإجراءات التصحيحية خلال شهر واحد من القرار، فليس من المؤكد أن مجرمي الكيان سوف يمتثلون للقرار، ومن الطبيعي أن يشعروا بالامتعاض من هذا القرار، لأنهم بكل بساطة اعتادوا على عدم المحاسبة والإفلات من العقاب، حيث أعلن وزير ما يسمّى الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير، أن “هذه المحكمة لا تسعى إلى العدالة”.
قرار المحكمة أضفى الشرعية فعلياً على القوة الأخلاقية للجان الشعبية في اليمن التي تدعم الشعب الفلسطيني، في الوقت الذي تكرّر فيه واشنطن ولندن أنه يجب عليهما ضرب الجيش اليمني واللجان الشعبية. ليس هذا فحسب، بل تتحدث الولايات المتحدة والمملكة المتحدة باستخفاف عن الحاجة إلى “حماية القانون الدولي”، رغم أن الأغلبية الساحقة من دول الجنوب تعدّ اللجان الشعبية قوة حفظ سلام تدافع عن اتفاقية الإبادة الجماعية”.
وسلّط القاضي الدولي خوان برانكو الضوء على نقطة حاسمة في استناده إلى المادة 94.2 التي تنص على أنه يجب على الأمم المتحدة إجبار “إسرائيل” على تنفيذ حكم محكمة العدل الدولية. ولكن باعتبار أن فرنسا تتولّى حالياً رئاسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لا ينبغي على أحد الاعتماد على فرنسا الماكرونية الرخيصة لتنفيذ بنود هذا القرار التاريخي.
من وجهة نظر الجنوب العالمي، وبعد الحكم بأن “تصرّفات الكيان الصهيوني في غزة تشكل إبادة جماعية بقصد القضاء، كلياً أو جزئياً، على مجموعة عرقية معينة”، فإن ذلك يترتب منطقياً على تواطؤ أمريكي في ارتكاب الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين. وعليه، فإن قرار محكمة العدل الدولية يدين فعلياً الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وغيرها من أعضاء الغرب الجماعي الذين أعلنوا جميعاً أن قضية جنوب إفريقيا “تفتقر إلى أيّ أساس قانوني” وكان لا بدّ من رفضها. ولذلك ليس من المستغرب أن يقوم فريق من 47 محامياً من جنوب إفريقيا بالتحضير بالفعل لإجراءات قانونية ضدّ واشنطن ولندن بتهمة التواطؤ.
هيفاء علي