نزع سلاح الدولار..
هناء شروف
تقود مجموعة بريكس نظام دفع جديداً عبر الحدود باستخدام العملات الرقمية للانفصال عن الهيمنة الغربية. لقد أكملت الإمارات العربية المتحدة والصين أول دفعة عبر الحدود باستخدام الدرهم الرقمي في 30 كانون الثاني وتضمّنت الصفقة تحويل 50 مليون درهم (13.6 مليون دولار) من الإمارات إلى الصين. وتم استخدام منصة رقمية جديدة تم تطويرها بشكل مشترك بين البلدين لتنفيذ الصفقة. يمثل استخدام هذه المنصة بداية مرحلة جديدة في تحويل العملات الرقمية للبنك المركزي (CBDC)، الهدف الرئيسي منها هو القضاء على أوجه القصور في المعاملات عبر الحدود التي تنشأ بسبب ارتفاع التكاليف وانعدام الشفافية والاعتماد المفرط على الدولار الأمريكي وزيادة تسييس معاملات الصرف.
تمثل المدفوعات عبر الحدود باستخدام العملات الرقمية علامة فارقة أساسية في تطوير العملة الرقمية للبنك المركزي (CBDC) وستصبح الأنظمة المالية العالمية أكثر كفاءة وشمولاً مع استخدام المزيد من البلدان للعملات الرقمية. إن حقيقة أن التكنولوجيا الأكثر تقدماً لاستخدام العملات الرقمية قد تم إنشاؤها في البلدان النامية توضح أن بلدان الجنوب العالمي لديها فرصة ممتازة لاستخدام المنصة الرقمية الجديدة في التسويات المتبادلة.
ما هي المشكلة الأساسية المتعلقة بالمدفوعات عبر الحدود والتسويات الدولية التي أصبحت أكثر حدّة في الآونة الأخيرة؟
في الوقت الحالي يعدّ الدولار الأمريكي العملة الاحتياطية في العالم، وأولئك الذين يرغبون في ممارسة الأعمال التجارية والتجارة مع ولايات قضائية أخرى يحتاجون إلى الدولار الأمريكي. ولم تكن هذه العملية لتطرح مشكلة لو لم يتم استخدام الدولار على نطاق واسع كسلاح اقتصادي أو أداة سياسية في الآونة الأخيرة.
ومن المؤسف أن الولايات المتحدة استخدمت على نحو متزايد موقعها المهيمن باعتبارها الجهة المصدرة للعملة الاحتياطية العالمية لتحقيق مكاسب سياسية، ويشمل ذلك معاقبة خصومها أو منافسيها من خلال استبعادهم من جانب واحد من النظام المالي العالمي. علاوة على ذلك إذا كانت حكومة الولايات المتحدة لا تحب سلوك أي شخص فإنها تهدّد بمصادرة احتياطياتها من العملة الصعبة. ونتيجة لذلك تبحث العديد من البلدان وخاصة تلك الموجودة في الجنوب العالمي، عن طرق لتجنّب مثل هذه المخاطر ومنع تسييس الحقائق الاقتصادية والمالية. ويستكشف الكثيرون إمكانية التداول فيما بينهم وتجنّب الدولار الأمريكي واستخدام عملاتهم الوطنية، وهم يعتقدون أنه ليست هناك حاجة لشرطي مالي ليحكم النظام المالي العالمي.
في الآونة الأخيرة هناك الكثير من النقاش حول إمكانية استبدال الدولار الأمريكي بعملات بديلة. ومع ذلك فهذه قضية سياسية صعبة، حيث إن كل دولة تريد أن تكون عملتها الوطنية هي العملة الأساسية. ومن الضروري أن نبقى واقعيين وأن ندرك أن المشكلة المباشرة مع العملات المختلفة هي محدودية سيولتها. على الرغم من أن الرنمينبي أصبح العملة البديلة الأكثر استخداماً في المعاملات الدولية بحلول نهاية عام 2023 إلا أن حصته من الاحتياطيات العالمية ظلت أقل من 3% بعد الدولار الأمريكي (60%) واليورو (20%) اللتين ستظلان العملتين المهيمنتين لفترة طويلة بسبب ارتفاع السيولة. إن استخدام عملات بديلة للمدفوعات سوف ينطوي حتماً على تكاليف معاملات أعلى حيث إن أياً منها ليست قابلة للتحويل بالكامل أو تتمتع بوضع دولي راسخ.
ظل مجتمع الخبراء يناقش بنشاط مسألة إنشاء صك عالمي جديد للتسوية، وتتمثل إحدى الأفكار في تطوير أصول مالية رقمية مدعومة بسلة من العملات من دول بريكس. وهذا النوع من الوحدات الحسابية المدعوم بالقوة الاقتصادية لجميع البلدان المعنية يمكن أن يكون أكثر قدرة على المنافسة لإجراء معاملات بديلة عبر الحدود.
أصبح هذا الاحتمال أكثر واقعية بعد 31 كانون الثاني عندما أعلنت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا ناليدي باندور أن مصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أكّدت قرارها الانضمام إلى كتلة بريكس. وبالتالي فإن مجموعة بريكس توحّد 10 دول نامية مؤثرة تمثل ربع الصادرات العالمية وأكثر من 40% من إنتاج النفط العالمي، وقد وصلت حصتها في الاقتصاد العالمي عند تعادل القوة الشرائية إلى 35%..
تم الإدلاء ببيانات سياسية مباشرة لتعزيز استخدام العملات الوطنية وأدوات الدفع في المعاملات عبر الحدود في اجتماع شيربا الأول لمجموعة بريكس في 30 كانون الثاني، وقد صرّح بذلك نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف ونائب وزير الخارجية الصيني ما تشاو شيوي ونائب وزير الخارجية الإيراني مهدي سفري.
لقد بدأت الدول الأعضاء في مجموعة بريكس في تعزيز التحول الرقمي للتكنولوجيات المتقدمة في القطاعين المالي والمصرفي، وهذا سيعود بالنفع بشكل كبير على أعضاء المنظمة والعالم أجمع. وهناك اعتقاد شائع بأن دول الجنوب العالمي لا يمكنها تحقيق التقدم التكنولوجي نفسه الذي حققه الغرب. ومع ذلك يبدو أن هذه البلدان تسعى جاهدة إلى تحدي هذه الفكرة من خلال ملاحقة التحديث السريع والتنمية العالية الجودة في إطار المبادئ الجديدة للنظام الدولي والحوكمة العالمية. وستكون الخطوة الحاسمة في هذا المسعى هي إنشاء نظام دفع رقمي مبتكر ومتطوّر لتحسين التعاون الاقتصادي وتعزيز التجارة المتبادلة في جميع أنحاء العالم.