صحيفة البعثمحليات

لهذه الأسباب لا يفكرون بالعودة!

غسان فطوم  

من جديد، أثار عدد من أساتذة الجامعة عبر منبر “دكاترة الجامعات في سورية” موضوع عودة الموفدين للدراسة في الخارج، واللافت كان تعليق أحدهم بقوله “مجنون من يفكر بالرجوع.. نقطة انتهى”!

ثمّة أسئلة كثيرة تطرح نفسها هنا على خلفية هذا الكلام “الخطير”. فمن خلال التفاصيل الواردة في التعليقات والآراء، كان واضحاً وجود العديد من الأسباب التي تجعل الموفد لا يعود للوطن، رغم أنه وافق منذ البداية على شروط الإيفاد التي تلزمه بالعودة، وإلا ستُطبق بحقه قانون البعثات العلمية ونظامه المالي، وقد يصل الأمر إلى القضاء.
غالبية الآراء وضعت الكرة في ملعب وزارة التعليم العالي وحمّلتها المسؤولية في عدم عودة مئات الموفدين، فبرأيهم أن هناك ظلماً كبيراً يلحق بهم عندما يعودون للبلد، بدءاً من التوهان في دوامة تعادل الشهادات التي تأخذ وقتاً طويلاً، مروراً بالتعيين في أماكن لا تمتّ لتخصّصاتهم بصلة، وصولاً للراتب الهزيل “حسب وصفهم”، والذي لا يكفي ثمن مواصلات واتصالات وأجرة منزل، بل غرفة سكنية لعضو هيئة تدريسية أنفقت الدولة عليه عشرات آلاف الدولارات بهدف تأهيله بأرقى العلوم، عدا عن الشكوى من الجمود الذي يصيب عقل العائد من الإيفاد بسبب عدم توفر بيئة مناسبة للبحث العلمي الذي لا يتمّ تقديره لا مادياً ولا حتى تبني موضوعه رغم أهميته وجدواه الاقتصادية، حيث يبقى في الأدراج!
ولم يتردّد بعض الأساتذة في اتهام “التعليم العالي” بأنها لا تُقدّر قيمة العائدين من الإيفاد قياساً بالقرارات والإجراءات التي تتعامل بها معهم. فعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك قرار يمنع عضو الهيئة التدريسية العائد من الإيفاد من الانتقال إلى جامعة أخرى في محافظته أو قريبة منها إلا بعد أن يمضي على تعيينه ثلاثة أمثال مدة إيفاده، أي حوالي ١٨ عاماً، في حين يستطيع جميع أعضاء الهيئة التدريسية المعيّنين بموجب مسابقة أو موفدين داخلياً النقل إلى جامعات أخرى بعد ٥ سنوات من التعيين!
وبحسب ما ذكر الأساتذة، فإن أكثر من 3000 موفد لم يعودوا إلى البلد منذ عام 2010، ولغاية اليوم، فنحن هنا أمام مشكلة تستدعي الحلّ السريع دون تأجيل يعقّد الأمور! والسؤال هنا: ماذا على وزارة التعليم العالي أن تتخذ من إجراءات لعودة الموفدين؟

بالقانون، الموفد ملزم أن يعود لأنه درس على نفقة الدولة، وإن لم يعد ويضع نفسه تحت تصرف الوزارة، فهو ملزم بدفع كلّ قرش دُفع له كمصاريف طوال مدة الإيفاد، وبرقم مضاعف، بحسب النظام المالي للإيفاد الخارجي، وربما بضعفين أو أكثر بحسب ما يروي الموفدون.

بالمختصر، القضية شائكة وتتطلب البحث عن تسويات جادة لأوضاع الموفدين. وبحسب المعنيين في “التعليم العالي”، هناك دائماً تأكيد وحرص على “تسهيل عودة كلّ من يرغب وتسوية وضع المخالفين لشروط الإيفاد”، وقد صدرت بهذا الخصوص مراسيم وقرارات استفاد منها مئات الموفدين. ولكن يبقى الأهم، وهو العمل على اتخاذ إجراءات جاذبة ومحفزة فيما يخصّ البتّ السريع في معادلة شهادته، والعمل على تعيين الموفد في المكان المناسب لاختصاصه، ومساعدته في تأمين السكن وتسهيل نقله إلى جامعة حكومية أخرى إذا ما أراد ذلك، فاليوم الظروف الاقتصادية والمعيشية صعبة جداً وباتت تشكل عبئاً كبيراً على العائدين من الإيفاد، خاصة وأن هناك عدداً منهم يضطرون للسفر من محافظة إلى أخرى مرتين في الأسبوع للقيام بواجبهم، وهذا بلا شكّ يتطلّب مصاريف كبيرة لا يقدر الراتب الحالي للأستاذ الجامعي أن يتحملها، لذا باتت هذه الإجراءات ضرورية، وإلا ستستمر المشكلة وتكون الخسارة مضاعفة ومؤلمة!