نيويورك تايمز تدحض رواية “الحرب غير المبرّرة” في أوكرانيا
هيفاء علي
على مدى العامين الماضيين، كانت جميع إشارات وسائل الإعلام الأمريكية إلى العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا في شباط 2022، مسبوقة بعبارة “غير مبرّر”.
ولكن في الذكرى الثانية للحرب، نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريراً مطوّلاً كشفت فيه أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا إنما تمّت نتيجة الحملة الممنهجة والواسعة النطاق والتجسّس من جانب الولايات المتحدة.
واستعرض التقرير تفاصيل العمليات الطويلة الأمد لوكالة الاستخبارات المركزية في أوكرانيا، التي قامت خلالها الوكالة بتمويل وتطوير وكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية التي استخدمتها كسلاح للتجسّس والاغتيال والاستفزاز الموجّه ضد روسيا لأكثر من عام.
وأضاف: في نهاية عام 2021، التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برئيس أحد أجهزة التجسّس الرئيسية في روسيا، الذي أخبره أن وكالة المخابرات المركزية وجهاز الاستخبارات البريطاني يسيطران على أوكرانيا وحوّلاها إلى رأس جسر للعمليات ضد موسكو، ولأكثر من عقد من الزمان، قامت وكالة المخابرات المركزية ببناء وتدريب وتسليح المخابرات الأوكرانية والقوات شبه العسكرية التي شاركت في الاغتيالات وغيرها من الاستفزازات ضد القوات الموالية لروسيا في شرق أوكرانيا، وضد القوات الروسية في شبه جزيرة القرم.
وكانت القوات شبه العسكرية الأوكرانية، المسلحة والمموّلة والموجّهة من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، تغتال بشكل منهجي القوات التي تؤيّد التقارب مع روسيا، كما حدث تماماً في انقلاب ميدان في شباط 2014، عندما أطاحت قوات يمينية ونازية جديدة مدعومة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالرئيس المنتخب الموالي لروسيا وأنشأت نظاماً موالياً للإمبريالية بقيادة الملياردير بيترو بوروشينكو.
وكان هذا الانقلاب تتويجاً لعقدين من التقدم الإمبريالي في الكتلة السوفييتية السابقة، بما في ذلك توسيع حلف شمال الأطلسي ليشمل كل أوروبا الشرقية تقريباً، في انتهاك للوعود التي قُطعت لقادة الاتحاد السوفييتي السابق.
وهكذا مهّد الميدان الطريق لتصعيد هائل في تدخّل وكالة المخابرات المركزية، كما يوضح تقرير التايمز، حيث لعبت وكالة الاستخبارات دوراً مركزياً في تأجيج الصراع بين أوكرانيا وروسيا، في البداية في هيئة حرب منخفضة المستوى ضد الانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا، ومن ثم حرب واسعة النطاق بعد العملية الروسية الخاصة في شباط 2022. وقد شاركت ثلاث إدارات أمريكية في هذا التصعيد، أوباما، ثم ترامب، والآن بايدن.
وذكر التقرير أنه تم تكليف وحدة أوكرانية، هي المديرية الخامسة، بتنفيذ عمليات اغتيال، ومنذ بداية الحرب، قام مجلس النواب الأوكراني بتوسيع عمليات الاغتيال هذه في جميع أنحاء روسيا، بما في ذلك اغتيال “داريا دوغين”، ابنة الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين، كما وجدت وكالة المخابرات المركزية أن حلفاءها الأوكرانيين مفيدون للغاية في جمع كميات كبيرة من البيانات حول الأنشطة العسكرية والاستخباراتية الروسية، لدرجة أن مجلس حقوق الإنسان نفسه لم يتمكّن من معالجتها واضطرّ إلى نقل البيانات الأولية إلى مقرّ وكالة المخابرات المركزية في لانجلي، فيرجينيا، لتحليلها.
ولا تتعلق هذه البيانات بأوكرانيا فحسب، بل بنشاط أجهزة المخابرات الروسية في جميع أنحاء العالم، وتم إنشاء تحالف سري ضد روسيا، وكان الأوكرانيون أعضاء رئيسيين فيه، وقد حدثت كل هذه الأنشطة قبل وقت طويل من العملية الروسية.
وحسب التايمز، وفي غضون أسابيع، عادت وكالة المخابرات المركزية إلى كييف وأرسلت العديد من العملاء الجدد لمساعدة الأوكرانيين، وتم نشر بعض ضباط وكالة المخابرات المركزية في القواعد الأوكرانية، وكانوا يراجعون قوائم الأهداف الروسية المحتملة التي كان الأوكرانيون يستعدّون لضربها، بعبارة أخرى، ساعدت وكالة المخابرات المركزية في توجيه الحرب، ما جعل الحكومة الأمريكية متواطئة في الحرب مع روسيا المسلحة نووياً، على الرغم من ادّعاء بايدن أن الولايات المتحدة ساعدت أوكرانيا فقط من بعيد، وكل ذلك دون أن يكون للشعب الأمريكي أدنى رأي.
وفي معرض تعليقه على هذا التقرير، لفت الصحفي ” باتريك مارتن”، إلى أنه عندما يتعلق الأمر بجرائم الإمبريالية الأمريكية، فإن تقرير التايمز ليس كشفاً بقدر ما هو نشر خاضع لرقابة المعلومات، وخاصة أن الصحيفة نفسها ذكرت أن مؤلفي التقرير، أجروا “أكثر من 200 مقابلة” مع “مسؤولين حاليين وسابقين في أوكرانيا، وأماكن أخرى في أوروبا والولايات المتحدة، ولم يكن من الممكن أن يحدث هذا النشاط دون علم وإذن وحتى تشجيع وكالة المخابرات المركزية، وكذلك نظام زيلينسكي وأجهزة المخابرات الأوكرانية”.
وأضاف مارتن: في هذه الأثناء، ينتظر، جوليان أسانج، قراراً بشأن استئنافه الأخير ضد تسليمه إلى الولايات المتحدة، حيث يواجه عقوبة السجن لمدة 175 عاماً أو حتى عقوبة الإعدام، مع العلم أن جريمة أسانج ويكيليكس، التي أسّسها، هي عدم الانصياع لقواعد الصحافة البرجوازية وعدم طلب الإذن من سلطات الاستخبارات العسكرية قبل نشر الكشف عن جرائم الحرب في العراق وأفغانستان، على جهود وزارة الخارجية الأمريكية للتخريب والتلاعب بالحكومات، وعلى أنشطة التجسس التي تقوم بها وكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي.
وعليه، يبدو أن الكشف عن عقد من عمليات وكالة المخابرات المركزية في أوكرانيا، بناءً على طلب الوكالة نفسها، مرتبط بالصراع الحالي داخل النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة حول السياسة التي يجب اعتمادها في هذه الحرب، في أعقاب الهزيمة التي عانى منها نظام زيلينسكي.
ومن خلال الإبلاغ عن أن جهاز المخابرات العسكرية الأمريكية يسيطر بشكل أساسي على النظام الأوكراني، تسعى التايمز إلى الضغط على الجمهوريين لدعم تمويل الحرب، ومن خلال القيام بذلك، كشفت التايمز أن تغطيتها للحرب في أوكرانيا على مدى العامين الماضيين لم تكن أكثر من دعاية للحرب، تهدف إلى استخدام رواية احتيالية لجذب الجمهور الأمريكي إلى دعم حرب عدوانية إمبريالية مفترسة تهدف إلى إخضاع الأميركيين وتفكيك روسيا، حسب مارتن.