في ذكرى ميلاده الـ 77.. “البعث ” يؤكد قدرته على الانبعاث والتجدد بفكرة ومؤسساته
دمشق – بشير فرزان
بقيت رسالة حزب البعث العربي الاشتراكي الخالدة منارة للأجيال المتعاقبة على مدار عقود من الزمن، وكان في مقدمة الأحزاب العقائدية التي تتنفس العروبة وتقدس القومية، فجعل من القضية الفلسطينية بوصلة لفكره النضالي وكفاحه الزاخر بالمحطات والمواقف التي وحدت ما بين الوطني والقومي. ويخطىء من يعتقد أن هذا الإرث التاريخي الذي يتشرف به كل بعثي يمكن أن يتلاشى أو يتبدد من ذاكرة الشعب السوري بين ليلة وضحاها، ومن الصعب إقصاؤه من المجتمع بحذف أو تعديل مادة دستورية أو تحت أية ضغوطات خارجية هادفة لإزاحة هذا الفكر الثوري المتجذر بالقومية وإطفاء شعلة الوحدة الوطنية التي رسخها كحاضنة أساسية للدولة السورية. ولاشك أن سنوات الحرب التي مرت أكدت بالوقائع الدامغة رسوخ هذه الوحدة كأرضية صلبة للصمود والمقاومة.
هذا ملخص لحظات الصدق التي عشناها مع بعض القيادات الحزبية المتقاعدة، والتي كان لها باع طويل في العمل البعثي، حيث قطفنا من خلاصة تجربتهم النضالية العديد من وجهات النظر المتشددة في التزامها والعابرة الى ساحة الاعتراف بالأخطاء في بعض مراحلها، وبثقة رفاقية تحدثوا عن الكثير من الشواهد الايجابية والسلبية في حياة القيادات الحزبية المتعاقبة، واتفق الرفاق القدامى على أن الحزب يمثل الفكر القومي العربي الأصيل، وهو يحارب في سبيل مبادئه (وحدة الأمة العربية وحريتها .. وشخصية الأمة العربية ورسالة الأمة العربية)، وقد اصطدمت هويته الوطنية والقومية مع الحكومات العربية المختلفة في أماكن وجود الحزب.
ومن خلال تجربتهم الطويلة، أكدوا على أن حزب البعث قاد سورية منذ عقود واستقطب لصفوفه نخبة جيدة الأفكار من خلال ملامسة مبادئ هذا الحزب ومنطلقاته لأفكار وطموحات شريحة واسعة من أبناء المجتمع. وتابعوا حديثهم ليؤكدوا أنه في هذه المرحلة الحرجة بكل ما تعنيه الكلمة، وخاصة في الحياة الحزبية، يجب إعادة النظر بالبنية التنظيمية للحزب من خلال وضع أسس واضحة ودقيقة للتفريق بين الحزبي والبعثي، والتركيز على القيادات ذات الانتماء البعثي الصادق والانتقال من التنسيب الكمي إلى التنسيب الكيفي للحزب، وكذلك ضخ دماء جديدة في القيادات الحزبية والتركيز على جيل الشباب والاستناد في ذلك إلى طاقاتهم وإبداعاتهم والتركيز على الاجتماع الحزبي كنقطة إطلاق رئيسية في توجيه البوصلة الحزبية.
واشاروا إلى أن ما يجري الآن على الساحة البعثية من حوارات ونقاشات وانتخابات والحراك البعثي ككل يمثل انعطافة مهمة ومفصلية في حباة حزب البعث العربي الاشتراكي الذي يعيش ذكرى ميلاده الـ 77 وهو على مشارف ولادة جديدة تؤكد قدرته على الانبعاث والتجدد بفكرة ومؤسساته.
من جهة أخرى، أكد بسام الصغير، أمين فرقة أشرفية صحنايا الأولى، أنه بعد سنوات مؤلمة من الحرب، وفي هذه الظروف، لابد من عمل استثنائي لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، ولذلك يجب إعادة ترتيب البيت البعثي الداخلي بشكل يجدد الآمال الكبيرة التي يعقدها البعثيون اليوم على وقفة ناضجة مع الذات وتقييم أداء الحزب خلال السنوات الماضية وتخليصه من بعض الشوائب التي ألمت بآليات عمله، خاصة مع وجود بعض الأخطاء التي أسهمت في تبديد النتائج الإيجابية والوصول إلى مرحلة متقدمة من الترهل الحزبي.
ولفت إلى أنه مع حالة الترقب التي تسود الشارع السوري بشكل عام، والمؤسسات الحزبية والبعثية لنتائج الحراك الانتخابي، واجتماع اللجنة المركزية وما سينتج عنها من قرارات على الصعيد الوطني والحزبي، لابد من وقفة موضوعية في محطة النقد والنقد الذاتي ورفع الغطاء عن الواقع المؤسساتي والرفاقي بكل شفافية دون أية عمليات تجميل أو مناورات تشخيصية في غير محلها، تقوم على وهم الفاعلية والحضور في العديد من المفاصل والمواقع المسؤولة على حساب البعثية الحقيقية، ولذلك من الأولويات التي يجب العمل عليها حزبياً إعادة الحزب لقواعده وإحياء الثقة بينهما، وإحداث تغيير جوهري في بنيته التنظيمية التي تهالكت من خلال بعض الممارسات المتمردة على الأيدلوجية الثورية وانجرارها بطريقة بشعة إلى زواريب التخلي عن الممارسة البعثية الملتزمة بالنهج والسلوكيات المدرجة في خانة الوطنية والشفافية ومعالجة الخلل وتجسيد أمانة المسؤولية والكفاءة والفكر المؤسساتي الذي يعكس الاجتماع الحزبي واقعه غير المرضي، وهنا يجب تجاوز مرحلة أن المؤسسة الحزبية بخير وأن الطعنات والاختراقات التي أصابتها كانت طفيفة، ولابد من الانتباه أكثر من أي وقت مضى إلى أن الأداء الحزبي بات في حالة حرجة إذا لم يتم تدارك الفجوة الفكرية بينه بين التطورات بمختلف مجالاتها وخاصة لجهة الشباب البعثي وأسلوب التعاطي مع واقعهم الحياتي والثقافي.
بدوره الرفيق نعمان سلامة عضو مكتب تنفيذي في اتحاد حرفي ريف دمشق (أمين فرقة سابق) أشار إلى أن الواقع الجديد، ليس على مستوى الحزب فقط، بل على مستوى البلد بشكل عام، يتطلب التفكير بطريقة أكثر ديناميكية لاستقطاب الكفاءات واختيار ممثلي الحزب المناسبين في مؤسسات الدولة، بما يمكنهم من العمل لتحقيق مصالح الشرائح الأوسع من عمال وفلاحين وحرفيين، الأمر الذي يشكل مدخلاً نحو تنظيف مؤسسات الحزب والدولة من الكوادر المعطلة والمتنفذين والمنتفعين.
وفي ذكرى ميلاد حزب البعث العربي الاشتراكي، لا بد من التأكيد على أن الحاجة ملحة في هذه الفترة إلى خطوات سريعة لا متسرعة على صعيد ترتيب البيت الداخلي، وإضفاء الحالة الإيجابية التفاؤلية على الواقع الحزبي، كما هو مأمول من خلال الحوار والنقاش والانتخاب والاستعداد لمرحلة جديدة.