النخبة الاستعمارية العمياء
بشار محي الدين المحمد
رغم إقرار كل القوى الغربية وأدواتها بفشل الحرب الإرهابية والاستعمارية التي شُنّت على سورية، وعلى رأسها فرنسا صاحبة مشروع الاحتلال القديم وهدف تفتيت الدولة وكيانها الاجتماعي والسياسي، نرى الآن محاولاتها اليائسة تتجدّد مرة ثانية من مجلس الأمن… فرنسا التي احتفل الشعب السوري منذ أيام قليلة بجلائها عن أرضه، يبدو أنها ما زالت ترزح تحت حكم نخبة سياسية وهمية تعمل عبر أوامر الحلف الأنغلوساكسوني، وتفضّل أن تكون مسنناً في ماكيناته الصدئة في استعباد الشعوب من إفريقيا إلى أوروبا الشرقية وصولاً إلى غربي آسيا.
ويبدو أن تلك النخبة المنفصلة عن الواقع، وعن إرادة شبانها وطلاب جامعاتها المعتصمون في باريس وساحاتها نصرةً للقضايا الإنسانية وعلى رأسها قضية غزة، تتابع المضي في مشروع تحقيق مصالحها ولو على حساب تصفير منجزات شعبها وحضارتها، عبر استخدام الأدوات الفاشلة نفسها ضمن الحيز الجغرافي نفسه، مع فارق بسيط هو أن الشعوب أصبحت أكثر وعياً ورفضاً لكل ما يسوّقه الإعلام الغربي من قيمٍ استهلاكية هدّامة للقيم والهويات الوطنية. فكيف ستحصل فرنسا وغيرها من قوى الاستكبار العالمي على غايتها؟.
إن سورية ورغم صغر حيزها الجغرافي، أتقنت وتتقن كيفية رسم علاقاتها مع الدول السيدة والمستقلة في المنطقة والعالم، وفي مساندتها لمحور المقاومة في المنطقة، وكل حركات التحرّر الإنساني العالمي، ولذلك لم ولن تتأثر بإرادة قوى الاستعمار مهما تعدّدت وتلونت وجوه محاولاتها وحروبها الهجينة، واستعمالها مجلس الأمن – الذي كانت سورية من أبرز وأول الموقعين على ميثاقه – كأداةٍ للضغط على سورية وعلى أي دولة تسلك عكس التيار الاستعماري، تارةً، وتارةً أخرى تستخدمه منصةً لتجاهل الاعتداءات على سورية، وكل دولة تناهض قوى الاستكبار بأي وسيلة، وخير مثال على ذلك معاندة فرنسا وأمريكا وبريطانيا لمشروع قرار بإدانة العدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية بدمشق، رغم ما تمثله هذه العملية الإجرامية من دفع للوضع الإقليمي للخروج عن السيطرة، في وقت سارعت تلك القوى لتجريم “الوعد الصادق” الذي يمثل حقاً دولياً لإيران يقرّه القانون الدولي.
للأسف، فإن الدور الفرنسي تجاه قضايا المنطقة يستعيد أطماع الحقبة الاستعمارية، فهو يتعامى عن حق سورية بسلامة أراضيها من الغارات الصهيونية، ويدأب على إفشال جهودها في مكافحة الإرهاب على أرضها عبر دعم قطعانه والتواصل معها، بل حتى في إفشال عودة المهجرين وعرقلة مشاريع التعافي المبكر وتسليم المساعدات الدولية للحكومة السورية.
ورغم كل المحاولات الالتفافية والعرقلة الفرنسية والغربية – وليس آخرها ما يسمى “مؤتمر بروكسل” – إلا أن سورية تمضي في مواجهة كل أشكال التدخل الخارجي للحفاظ على سيادتها ووحدة وسلامة أراضيها، وهي لن تتخلى عن مبادئها وأهدافها مهما اشتدت الضغوط وطالت المحن.