“أربعائيات بحكم المنطق… ولاشيء غير المنطق”.. البعــــث والإعــــــلام
د. مهدي دخل الله
هناك ظاهرة واضحة رافقت الحراك الحزبي الأخير طوال أكثر من أربعة أشهر. الحديث هنا عن العلنية والاهتمام الواسع للرأي العام بالحياة الداخلية للحزب، خاصةً الإعلام الرسمي والخاص الذي كان قد تجاهل الحزب لفترة طويلة، بذريعة أن الحزب لديه إعلامه الخاص. يستثنى من ذلك صحيفة الوطن التي كانت تنفرد – تقريباً – في نشر تقارير عن النشاط السياسي والاجتماعي للحزب.
المثير هنا أن اهتمام الإعلام بالحزب مؤخراً لا يتعلق بنشاط سياسي واجتماعي يقوم به البعث، وإنما بمجريات حياة الحزب الداخلية، أي المسألة التنظيمية بوجه خاص. بدأ هذا الاهتمام في 16/ 12/ 2023، عندما وجّه الرفيق الأمين العام بنشر تقرير مفصل عن اجتماع اللجنة المركزية في مبنى القيادة. تعاملت وسائل الإعلام مع تقارير (سانا) المفصلة تعاملاً يؤكد عودة الإعلام، بعد طول غياب، إلى الاهتمام بحزب أسهم في رسم الحياة العامة، سياسةً واجتماعاً وثقافةً، منذ الاستقلال.
ربما، في الماضي، جاءت فترة بالغ فيها الإعلام بالاهتمام بنشاط البعث الداخلي بشكل لا ضرورة له. ثم كان الفراق بين الطرفين لدرجة أن اللقاء الجديد بينهما كان ملفتاً.
أعتقد – وربما أكون مخطئاً – أن ما يميز سورية، عن بقية الدول والمجتمعات العربية، هو الحراك الاجتماعي المنظم. فهناك 22 حزباً، منها 10 في الجبهة الوطنية التقدمية مع المستقلين. وهناك منظمات شعبية ونقابات تنشط بشكل ملحوظ في الحياة العامة.
هذا الحراك الاجتماعي النشط – لو كان لدينا مراكز دراسات فاعلة – لاستنبطت منه أنموذجاً نظرياً لشيء اسمه “الديمقراطية وفق الأنموذج السوري”. لكن للأسف لا توجد لدينا مؤسسات تعمل على تنظير الواقع الحقيقي. العقل العربي يميل دائماً إلى النظريات المسبقة (ex ante) التي يحاول عبرها فهم الواقع، وغالباً ما يجد نفسه – مع نظرياته – خارج هذا الواقع. العقائد والمبادئ العامة هي تصور مسبق للصيرورة، وهذا جيد في الخطوط العامة، لكن النظرية التي تطرح الحلول ينبغي أن تكون معرفة لاحقة (ex post) للواقع الحقيقي وليس معرفة مسبقة.
mahdidakhlala@gmail.com