مشاهدات ثقافية والخلاف بعد الرّحيل أوّلها!
نجوى صليبه
سنبدأ مشاهداتنا وقراءاتنا بتصريح بعض الأدباء والمثقّفين وإعلانهم عن اختلافهم بالرّأي مع شخصية فنيّة رحلت، مؤخّراً، وقولهم إنّه على الرّغم من هذا الاختلاف لا يمكن لهم إلّا أن يشيدوا بأعماله، ويعبّروا عن هول خسارته وفاجعة رحيله، ولا أدري لماذا عبارة “على الرّغم من اختلافي معه” تسبق كثيراً من المرثيات في الوسط الثّقافي، وكأنّ قائلها على دراية وعلم ومعرفة تفوق تلك التي عُرف بها الرّاحل وتخصص بها وناضل من أجلها طوال سنوات حياته.
أمّا السّؤال الذي لا بدّ من طرحه، فهو: “لماذا لم يظهر هذا الاختلاف ـ أو الخلاف ـ إلّا بعد رحليه؟ ولماذا لم يصرّحوا به ويظهر إلى العلن إلّا الآن؟
لعلّني أجد نفسي ها هنا مضطرة على استذكار ما قلته منذ وقت طويل: “ما يضر السّلخ شاة مذبوحة، وما يفيد الحبّ عزيزاً رحل”.
في اللاأخلاق الثّقافية
ينظّر بعض الأدباء والمثقفون في الأدب والفنّ والمجتمع والسّياسة والأخلاق، ويحوّل تنظيره هذا إلى مقالات ينشرنها في الصّحف المحلية أو العربية، لكن للأسف، الصّدفات والوقت والبحث كلّها أمور كفيلة بكشف زيف ادّعاءاته، تحديداً عندما يتعلّق الأمر بصدق المثقّف وأمانته، ولا سيّما عندما يتعامل مع جهات نشر جديدة، فيرسل إليها مواد صحافية كان نشرها سابقاً في صحف ومواقع إلكترونية، ظنّاً منه ـ كما بعض الجُهّل ـ أنْ لا أحد يقرأ ولا أحد يبحث ولا أحد يدقّق، ضارباً بعرض الحائط كلّ تنظيره وكتبه التي دعمها الإعلام بخبر أو قراءة أو عرض.
أمّا الطّامة الكبرى فستكون عند مواجهته، حينها سيقول وهو الضّليع بقوانين الصّحف: “لم أكن أعلم أنّ نشر مادة صحافية منشورة سابقاً في وسيلة إعلامية أخرى أمر غير جائز”.
وفي التّغيير..
كثيراً ما تحدّثنا عن ضرورة أن يكون مدراء المراكز الثّقافية من أهل الثّقافة والأدب والفنّ، وأن يكون المسؤول الإعلامي من أهل الإعلام، أي شاغلاً ومتمكناً من لغته، فمن غير المعقول أو المقبول مهنياً ورود أخطاء لغوية ونحوية في الأخبار التي تنشرها المراكز الثّقافية على حساباتها في وسائل التّواصل الاجتماعي، ومن غير المهني الانحياز لنشاط دون غيره، ولا التّفخيم أو المبالغة في وصف الشّخصيات الوارد ذكرها في هذه الأخبار.
ولكي لا نشير فقط إلى الجوانب السّلبية ـ وهذا ليس من عادتناـ نتحدّث اليوم عن تحقق مطلبنا الأوّل، إذ تسلّم إدارة بعض المراكز مثقفون يتابعون الدّرب الذي سبقهم إليه مثقفون عملوا بجدّ وأخلاق، ولا سيّما خلال سنوات الحرب على بلادنا، إذ لم تثنيهم قذيفة ولا تفجير عن الوصول إلى المراكز وإقامة النّشاطات وفق الجداول والبرامج، لكن بقي الآن المطلب الثّاني المتعلّق بالإعلام، وكلّنا أمل في أن نتخلّص من المتسلّقين والمستفيدين في هذا المجال.
الانتحار المهني
الخبر الذي نذكره اليوم، نذكره من دون تعليق لأنّه يشرح ذاته، ومختصر القول: شارك عدد من الفنانين المصريين في حملة بعنوان “كيف تسرق وطن”، دعماً للقضية الفلسطينية، حيث يقصّون على الجمهور كيف استطاع كيان الاحتلال سرقة فلسطين أرضاً ووطناً، ومن بينهم الفنّان الأمريكي ذو الأصول المصرية أمير المصري الذي تحدّث عن دعمه لفلسطين، خلال حفل توزيع جوائز “البافتا”، قائلاً: “عندما رأيت الأحداث، لم أقدر على الصمت وصوّرت “فيديو” دعماً للقضية، فضلاً عن حديثي عن القضية على المسرح في حفل توزيع الجوائز، وكنت وقتها أقول لنفسي كيف أكون سعيداً وهناك ناس تعاني وتموت”.
وكان المصري خسر في وقت سابق عملاً في “هوليوود” بسبب موقفه الدّاعم لفلسطين، وهو عمل كان يمكن أن يحدث له نقلةً كبيرةً في مسيرته الفنّية في “هوليوود”، لكنّ هذا لم يزعجه أو يؤثّر على موقفه من قضيته، وهذا ما حصل ـ في وقت ليس ببعيد ـ مع فنّانين عالميين شاركوا في مبادرة داعمة لاتّهام جنوب أفريقيا كيان الاحتلال الصّهيوني أمام محكمة العدل الدولية بارتكاب إبادة جماعية في قطّاع غزّة، حينها قال نقّاد إنّ موقفهم هذا أشبه بـ”انتحار مهني”، لأنّ انتقاد “إسرائيل” يعني تغييب الفنّان وعزله وتجييش فنّانين آخرين عليه، وهذا ما حصل أيضاً، إذ وقّع عدد لا بأس به من مشاهير “هوليوود” عريضة يؤيّدون من خلالها كيان الاحتلال في حربه على غزّة وجرائمه بحق أهلها من الطّفل إلى الكهل.