تحقيقاتصحيفة البعث

جهود مثمرة في مكافحة المخدرات.. 8266 متهماً و6659 قضية

ليندا تلي

تبذل سورية جهوداً حثيثة لمكافحة الاتجار بالمخدرات وتهريبها بعد أن عانت على مدى أكثر من ثلاثة عشر عاماً من حرب إرهابية ظالمة استخدمت فيها كل الأسلحة بما فيها المخدرات، وقد أدّت الجهود المبذولة من الجهات المعنية بمكافحة المخدرات والتنسيق بين إدارة مكافحة المخدرات وفروعها والأجهزة الأخرى المعنية بمكافحة الجريمة، إلى إحباط العديد من عمليات التهريب للمواد المخدرة.

آفة عالمية

آفة المخدّرات جريمة عابرة للحدود تنفّذها عصابات منظمة تستهدف المجتمعات جميعها مهما اختلفت درجة تقدّمها وفق دكتور الدراسات وعضو الجمعية السورية اللبنانية لمكافحة المخدرات راضي حماد، وقد لعب الموقع الجغرافي لسورية وإطلالتها على المنافذ البحرية إلى نفاذ العديد من هذه العصابات، وكان للانفتاح على الثقافات الأخرى دور في انتشار هذه الظاهرة، ولاسيما بين الأطفال من عمر 11 عاماً نتيجة انتشار التدخين والأركيلة، وهذا ما جعل العصابات تستغل هذه الظواهر، ونتيجة حالة الفوضى والإرهاب وظهور العصابات الإرهابية في العقد الماضي أصبحت المخدرات جزءاً رئيسياً وأساسياً من عملية تمويل الإرهاب والإجرام.

أسباب كامنة

الباحثة الاجتماعية الدكتورة أمل قدّور أرجعت أسباب تعاطي الفرد للمخدرات إلى ضعف الوازع الديني لديه، ومصاحبة رفاق السوء، والاعتقاد بزيادة القدرة الجنسية، والسفر إلى الخارج، والشعور بالفراغ، وحبّ التقليد، وتوفّر المال بكثرة، والهموم والمشكلات الاجتماعية، والرغبة في السهر للاستذكار، وانخفاض مستوى التعليم، في حين يشكل تخلخل الاستقرار في جو الأسرة، عاملاً محفزاً للفرد على الإدمان، مضيفة: تشكّل مختلف الجماعات التي ينتمي إليها الفرد البيئة الاجتماعية الثانية التي يحيا فيها الإنسان، وقد تدعم هذه الجماعات ما تبنيه الأسرة وقد تهدمه وتعطّل تأثيره وقد تعوّض الفرد عن مشاعر الحرمان العاطفي وعدم التقبّل أو افتقاد الشعور بالأمن، إضافة إلى توافر مواد الإدمان عن طريق المهرّبين والمروّجين، ووجود بعض أماكن اللهو، والعمالة الأجنبية، والانفتاح الاقتصادي، وقلّة الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام المختلفة، والتساهل في استخدام العقاقير المخدّرة وتركها دون رقابة، وغياب رسالة المدرسة.

أعمال منحرفة

وأوصحت قدور أن المدمن يصاب بأمراض مختلفة كفقدان الشهية واضطراب الجهاز الهضمي وتلف الكبد والتهاب المخ، لافتةً إلى أنّ الإدمان يؤدّي إلى تغيّرات عضوية في الجهاز العصبي، إلى جانب قلّة الحركة والنشاط وإهمال أداء واجباته، ويصبح ذا مزاج منحرف في تعامله مع الناس، ناهيك عن الانعزالية والتفكّك الأسري، كما يصبح إنساناً كسولاً ذا تفكير سطحي، وينفعل لأتفه الأسباب، ولا يمكنه إقامة علاقات طيبة مع الآخرين ولا مع نفسه ما يتسبّب في سيطرة الفوضى على حياته وعدم القدرة على التكيّف وسوء التوافق والتواؤم الاجتماعي مع سلوكياته، الأمر الذي يؤدّي به في النهاية إلى الانتحار، وفي حال عدم قدرته على شراء الجرعة المخدّرة قد يلجأ إلى الاستدانة وقبول الرشوة والاختلاس والسرقة والبغاء وغيرها، وبالتّالي يبيع نفسه وأسرته ومجتمعه وطناً وشعباً.

فقدان القدوة

كما يصيب تعاطي المخدرات الأسرة بأضرار بالغة منها ولادة الأم المدمنة أطفالاً مشوّهين، وزيادة الإنفاق على التعاطي، ويقلّل دخل الأسرة الفعلي ما يؤثر بدوره في نواحي الإنفاق الأخرى، وتدني المستوى الصحّي والتعليمي، وبالتالي الأخلاقي لدى أفراد الأسرة، ما قد يؤدّي إلى الانحراف بسبب عدم وجود القدوة، إضافة إلى جوّ التوتر والشقاق والخلافات الدائمة.

علاج وتأهيل

يبدأ العلاج برأي قدور في اللحظة التي يقرّر فيها الشخص التوقف عن التعاطي بحيث يكون هو الذي اتخذ القرار بالتوقف، لافتة إلى أنه أجازت بعض التشريعات الحديثة معالجة المدمن خارج المصحّات، حيث يجعلهم أكثر شعوراً بالثقة، ما يدفعهم إلى الحوار مع معالجيهم وطرح مشكلاتهم، كما يتطلب علاج الإدمان رعاية طبية مكثفة ومستمرة لفترة من الوقت داخل المستشفيات المتخصصة، ويمرّ العلاج بعدة مراحل منها اعتبار المدمن مريضاً وليس مجرماً والتعامل معه على أساس أنه إنسان مريض يحتاج إلى العلاج أكثر من العقاب، وعرضه بسرعة على الأطباء وتوفير المستشفيات الكافية، ثم تأتي مرحلة العلاج النفسي والاجتماعي وتليها مرحلة التأهيل العلمي، ثم مرحلة التأهيل، ثم الوقاية من النكسات.

نشر التوعية

واتفق حماد وقدور على ضرورة نشر التوعية عن طريق تعزيز دور الإعلام في التوعية من مخاطر المخدرات وأساليب ترويجها وسبل معالجتها، وتوفير فرص عمل للشباب ووسائل للترفيه وأنشطة للقضاء على أوقات الفراغ والتفكير بأمور أخرى ووضع قوانين وتشريعات تشدّد العقوبة على تجّارها ومهرّبيها ومروّجيها ومتعاطيها، مع ضرورة الانتباه إلى تعزيز استراتيجية الانفتاح والتعاون مع الجهات الدولية والإقليمية، والتنسيق مع دول الجوار، رغم الصعوبات والتحديات لمكافحة هذه الظاهرة التي تؤدّي إلى عرقلة التقدم والنمو الصحي للمجتمعات.

بلد عبور

النقيب مؤيد أسعد، مدير مكتب اللجنة الوطنية لشؤون المخدرات في وزارة الداخلية، أكد أنّه لا يُمكن تجاهَل أنَّ تجّار ومروجي المخدِّرات يستهدفون بشكلٍ خاصٍ فئة الشباب، بهدف تحويلهم من قوة وطنية فاعلة ومنتجة إلى قوّة مدمّرة تشلّ حركة ذلك المجتمع وتبدِّد ثرواته، مشيراً إلى أنّ ظاهرة تعاطي المُخَدِّرات هي مشكلة يعاني منها المجتمع كله، وبالتالي يجب مشاركة جميع الجهات الرسمية منها والشعبيّة، بغية وضع وتنفيذ الحلول بشكل جماعي بحيث تتناول هذه الظاهرة بمختلف جوانبها، والاعتماد على الحُلول العلميّة الوقائيّة الطويلة الأمَد وترك الحُلول الظَرفيّة، ومواجهة هذه الآفة بكلّ إصرارٍ وعَزيمة.

وبيّن أسعد أن إدارة مكافحة المخدرات وفروعها في المحافظات وضمن جهود المكافحة العملياتيّة قامت بتنفيذ العديد من العمليات النوعيّة لجهة كمية المواد المخدرة المضبوطة, وللأسلوب المُتبع في ضبطها، بالإضافة لكشف أساليب الإخفاء التي اعتمدها المروّجون والمهربون وتجار المخدرات الذين استفادوا من التطور التقني، ومن العوائد المالية الكبيرة الناجمة عن هذه التجارة غير القانونية، وقد استدعى ذلك تطوير أساليب البحث والضبط, حيث تم الاعتماد على عملية التدريب المستمرة لضباط وعناصر مكافحة المخدرات في الإدارة وفروعها ومختلف الوحدات الشرطية المعنية أيضاً في تقديم الأسس النظريّة للتعريف بأنواع المواد المُخدِّرة وأساليب ضبطها كأساس في جهود المكافحة العملياتية.

رصد ومتابعة

أمّا ميدانيّاً فتعتمد إدارة مكافحة المخدرات وفروعها على العمل الجماعي من خلال تشكيل فرق العمل المختصّة بالرصد والمتابعة والضبط والتحقيق وعبر تنسيق الجهود المتنوعّة ابتداءً من رصد المعلومة وتدقيقها ومعالجتها وصولاً لاختيار الأسلوب وتحديد الزمان والمكان المناسبين لتنفيذ عمليات ضبط المواد المخدرة وإلقاء القبض على مروّجيها أو التجار أو المهربين ومباشرة التحقيقات الأولية معهم والتوسّع فيها وصولاً للكشف عن جميع المتورطين بها وإلقاء القبض عليهم وإذاعة البحث عن المتوارين منهم, ثم تتم إحالة المقبوض عليهم إلى القضاء المختصّ، ومحاكمتهم بموجب القانون رقم (2) لعام 1993م الذي يُعالج مُختلف جرائم المخدرات، أمّا المواد المُخدِّرة المَضبوطة فتتم مُصادرتها تمهيداً لإتلافها لاحقاً، ونعتبر أنّ جميع القضايا التي تمّت معالجتها تُشكل أساساً ومخزوناً مهماً في بنك معلوماتنا، كما أنّها تساعد في تطوير وتحديث الأساليب المتبعة في المكافحة العملياتيّة والجهود المبذولة لمكافحة جرائم المخدرات والجرائم عموماً.

أرقام وإحصائيات

وتابع أسعد: نتعامل بلغة الأرقام ونقدّم إحصائياتٍ سنوية وبيانات واضحة ودورية لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة والمكتب العربي لمكافحة المخدرات والجريمة في جامعة الدول العربية, ويلاحظ زيادة طفيفة في أرقام العام الماضي عن الأعوام التي سبقته، حيث بلغ عدد القضايا المضبوطة خلال هذا العام /6659/ قضية مخدّرة وعدد المتهمين بجرائم المخدرات /8266/.

اعتقال وغرامة

وبيّن قاضي التحقيق الثالث بدمشق محمد خير ديروان أن القانون السوري عاقب الاتجار بالمخدرات بالاعتقال المؤبّد والغرامة من مليون حتى خمسة ملايين، وهي تشمل كل شخص يقوم بحيازة أو شراء أو تسليم أو بيع المواد المخدّرة بقصد الاتجار، وتشمل أيضاً كلّ شخص ينقل المواد المخدّرة بقصد الاتجار مع علمه بذلك ، بينما عقوبة التعاطي الاعتقال المؤقت ثلاث سنوات بالحدّ الأدنى والغرامة بين ٥٠٠ ألف ومليون ليرة، كما تشمل هذه العقوبة كلّ شخص يحوز أو يشتري أو ينقل أو يسلّم أو يستلم مواد مخدّرة بقصد التعاطي، ونوّه القاضي في سياق حديثه لـ”البعث” إلى أنّ من يقدّم مواد مخدّرة لشخص آخر ليتعاطاها دون مقابل تكون عقوبته مشدّدة أكثر، وهي الاعتقال المؤقت لمدّة لا تقل عن عشر سنوات وغرامة من ٥٠٠ ألف حتى مليوني ليرة، وتشدّد العقوبة لتصبح الاعتقال المؤبّد إذا كان من قدّمت له المادة المخدرة من فئة الأحداث.

أسباب مخفّفة

ولم يحجب المشرّع الأسباب المخففة عن جرائم المخدّرات بشكل عام بحسب ما أوضح ديروان، لافتاً إلى أنه يحقّ للمحكمة منح الأسباب المخففة سواء التقديرية أم القانونية التي تراها مناسبة، إنّما وضع نصّاً خاصاً يمنع به المحكمة من منح الأسباب المخففة، وذلك في جرائم تهريب المخدرات وصنعها وزراعتها فقط إذا رافق هذه الجرائم المذكورة أحد الأسباب التالية كارتكاب الجريمة من أحد العاملين في الدولة المنوط بهم مكافحة جرائم المخدرات، أو استخدام قاصر في ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة، أو اشتراك الجاني في إحدى العصابات الدولية لتهريب المواد المخدّرة أو عمله لحسابها أو تعاونه معها، أو استغلال الجاني في ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة أو في تسهيلها السلطة المخوّلة له بمقتضى وظيفته أو عمله أو الحصانة المقرّرة له طبقاً للقانون.

وحجب المشرّع الأسباب المخففة عن كل شخص يقوم بتكرار أي من جرائم تهريب وصناعة وزراعة والاتجار بالمخدرات أو نقلها للاتجار بها، مشيراً إلى أنه لم يطرأ على قانون المخدرات رقم ٢ لعام ١٩٩٣ وهو القانون النافذ حالياً أي تعديل من تاريخ صدوره إلّا ما تمّ من تعديل للغرامات الجنائية والجنحية.