صدمة مطلوبة
حسن النابلسي
ما شهدناه مؤخراً من تخفيض عضوية عدد من الرفاق البعثيين، وحرمان عدد آخر من الترشح لعضوية مجلس الشعب، ورفع الحصانة عن نواب آخرين، هو تحول يستحق الوقوف عنده والشد من أزره.
وإذا ما علمنا أن أسباب هذا الإجراء بالنسبة للنواب البعثيين هو عدم التزامهم بتوجيهات القيادة، وارتكابهم لمخالفة تنظيمية واضحة بعدم تجاوبهم مع توجه كتلة حزبهم داخل مجلس الشعب برفع الحصانة عن صاحب جرم مشهود، فإن ذلك يدل على تحمل الحزب لمسؤولياته الوطنية والتزامه الأخلاقي تجاه المجتمع.
وفيما يتعلق برفع الحصانة عن النواب غير البعثيين ممن صدرت بحقهم مذكرات قضائية بسبب نشاطاتهم المشبوهة بحق الاقتصاد الوطني، مستغلين بذلك ما يتمتعون به من حصانة برلمانية تقيهم “عدالة المحاسبة” إن صح التعبير، فلا شك أن ذلك يعدّ خطوة جريئة ومدروسة باتجاه مكافحة الفساد، وكسر للقاعدة الشعبية المتداولة “لا يحاسب إلا الصغير”.
الأصل في الحصانة أنها امتياز قانوني يُمنح لأشخاص معينين، ليتمكنوا من ممارسة المهام الموكلة إليهم دون أي تأثيرات أو ضغوطات من أية جهة أو سلطة معينة، وبالتالي فإن الحصانة البرلمانية هي نوع من الحماية القانونية التي يعطيها الدستور لممثلي الشعب كنوع من الحماية السياسية والقانونية حتى يستطيع العضو أن يؤدي وظيفته الدستورية كاملة (كسلطة تشريعية) بعيداً عن تأثير السلطة التنفيذية على أعضاء البرلمان بالترغيب أو الترهيب.
لكن ما حصل أن الأعضاء المرتكبين اعتبروا أن الحصانة على أنها “الإفلات من العقوبة أو الهروب من دفع الغرامات”، لاسيما وأن هناك تعريف قانوني يسوغها بهذا الشكل، لتأتي الصدمة غير المتوقعة بالنسبة لهم “برفع الحصانة عنهم” غافلين عن المثل القائل “من مأمنه يؤتى الحذر!”.
ولكن المؤكد أن هناك توجهاً بتصويب مسارات العمل العام وانعكاس ذلك بالضرورة على الواقع الاقتصادي عموماً والمعيشي خصوصاً، من خلال تفعيل “المحاسبة” تحت مظلة القانون، وتعزيز مفهوم العمل المؤسساتي بحيث تأخذ كل جهة الدور المطلوب منها على أكمل وجه وفق الأنظمة القانونية والدستورية.
إن سورية اليوم وبعد معاناة – باتت تقارب العقد والنصف من الزمن – تعيد ترتيب بيتها الداخلي، إيذاناً بعملية إعادة إعمار متجدد يكون فيها الشعب العربي السوري على أتم جاهزية، مادية ومعنوية، للمشاركة فيها والإقلاع بها والوصول بها إلى أهدافها المنشودة، وهي لن تتردد في تأمين الانطلاقة المناسبة والمثالية لهذه العملية.