ثقافة

الوعي الحقيقي

بشرى الحكيم

لم يكن خفياً أن القصد من السؤال الذي توجه به مقدم البرنامج  الترفيهي على إحدى المحطات اللبنانية، إلى الفنان هو إحراجه والتأثير على جمهوره، إذ توجه له بما معناه: أليس من الأفضل للفنان أن لا يظهر مواقفه وميوله السياسية، فيضمن بذلك صكاً يضمن له جمهوراً أكبر ومساحات للظهور الإعلامي أوسع؟! ليكون الثبات رد الفنان الذي أوضح أنه لا يجد في إعلان إيمانه والتزامه بعض المواقف، حرجاً طالما كانت مصلحة الوطن هي الأولوية “وكأنما العيب بات في الوضوح، لتغدو المراوغة واللعب على الحبال” سيدا المواقف.
أول أمس وقفت الممثلة التي اقتربت سنواتها من السبعين، وقفت تتسلم جائزتها وتتقل التكريم الذي استحقته على مجمل أعمالها، بطلة “كرامر ضد كرامر” في أيام صباها، و”الشيطان يرتدي البرادا” والتي نالت ترشيحات عديدة لنيل الأوسكار وجائزة الغولدن غلوب، وقفت ميريل ستريب متجاوزة جائزتها لتتوجه برسالة إلى الرئيس الأمريكي المنتخب، ناقلة رسالة واضحة بما آمنت به من مبادئ: “عدم الاحترام يولد عدم الاحترام، والعنف يحرض على العنف” وأكملت مشيرة إلى الكراهية التي كانت سمة حملة انتخابية هي الأكثر عنصرية قائلة: “هوليوود تعج  بالغرباء والأجانب، إذا ركلناهم خارج البلاد، لن يكون لديك شيئاً تشاهده؛ سوى كرة القدم والفنون القتالية” لتتابع: تعدد المزيج المتعدد المكون لهذه الخلطة والتي تصدّر للعالم أهم الأعمال السينمائية “بعيداً عن المواقف التي تتضمنها”. “شكراً للصحافة الأجنبية، فهذه القاعة تعج بالفئات الأكثر كرها لدى أغلبية المجتمع الأمريكي في الوقت الحالي، وهم هوليوود، والأجانب، والصحافة”. وتابعت قائلة: “هناك لدينا مثلا آيمي آدمز ولدت في فينيسيا الإيطالية، وناتالي بورتمان ولدت في القدس، أين هي شهادات ميلادهم؟، ولدينا الجميلة روث نيجا، ولدت في أديس أبابا بإثيوبيا وتربت في أيرلندا، وممثل مثل رايان غوسلينغ فاز بجائزة أفضل ممثل لفيلم موسيقي وهو كندي الجنسية، وديف باتل ذو الأصول الكينية والبريطاني الجنسية، والذي يؤدي دور الهندي في معظم أفلام هوليوود، كل هؤلاء لا يمكن لأحد أن يطردهم ويبعدهم عن الولايات المتحدة” ترى لو تم إبعاد هؤلاء وأمثالهم ما الذي يتبقى من أمريكا؟ بم يفكر الرجل سوى بذاته وبنقاء الدم الذي يجري في عروقه، متناسياً أن الهوية الكيانية أو الطائفية أو المذهبية أو العرقية لا يمكن لها أن تقيم وطناً حقيقياً ولا قدرة لها على تأسيس دولة حديثة متكاملة، وبرغم العقل التجاري الذي يمتلكه، لم يتمكن من فهم أن الولاءات المتنافرة لن تجلب التخلف الاجتماعي والثقافي.
هو الوعي الذي كان سمة الموقف، وعي لما يخدم مصلحة وطنها، ودعوة مقصودة، ربما أتت رمية من غير رامٍ، ألقتها بوجه الداعين للانغلاق والطائفية، هناك كما البعض هنا، الذين غاب عنهم أن التفاعل الأفقي بين المكونات السورية الرائعة، وتفاعلها العمودي مع بيئتها على الأرض، هما جوهر وجودنا السليم، وهو الوعي الحقيقي لمصلحة الوطن، الذي يمنع كل تدخل أو اعتداء عليها كبيراً كان أم صغيراً على الكل أن يكون متنبها له، مهما صغر دوره في مجتمعه فكيف به فناناً قادراً على التأثير في شريحة عريضة من الناس، متنوعي المشارب، فيكون بذلك مساهماً في نهضة منتظرة لسورية لعل الثقافي منها والمجتمعي؛ هما الأجدى بالعمل عليها، لتمتزج هذه المكونات وهذا المزيج الرائع فيذيب كل خلافات وعصبيات، هي أسباب تضاف إلى سواها، لا بد تجلب علينا الويلات والأزمات التي تعصف بنا في كل حين.