تحديات الطفرة السكانية في أفريقيا
عناية ناصر
سيستمر عدد سكان أفريقيا في الارتفاع بسرعة على مدى العقود القليلة المقبلة، وخاصة في منطقة الساحل. وفي حين أن هذا الاتجاه له جوانب إيجابية وسلبية، إلا أنه له تأثير ملموس على العمليات العالمية. وعلى وجه التحديد، قد تكون الطفرة الديموغرافية في أفريقيا من بين العوامل الكامنة وراء الصراعات الإقليمية، وانعدام الأمن الغذائي، والهجرة غير المنضبطة.
إن الإحصائيات لا لبس فيها، فبحلول عام 2050، سوف يرتفع إجمالي عدد سكان أفريقيا إلى ما يقرب من 2.5 مليار نسمة، وهي زيادة كبيرة مقارنة بـ 1.36 مليار نسمة في عام 2023. وفي أقل من 80 عاماً، سيكون واحد من كل طفلين حديثي الولادة في جميع أنحاء العالم في أفريقيا. والخبر السار هو أن زيادة نسبة الأفراد في سن العمل تعود بالنفع على اقتصادات البلدان الأفريقية وخارجها. ولكن على الجانب الآخر، فإن وجود نسبة أكبر من السكان الشباب يعني عبئاً مالياً أكبر على الحكومات، فضلاً عن مخاطر اجتماعية وأمنية إضافية.
والحقيقة هي أن تزايد عدد السكان يتطلب زيادة إنتاج الغذاء، وهو أمر قد تفشل العديد من الدول الأفريقية في تحقيقه. اليوم، توجد أربعة من البلدان الخمسة في العالم التي تضم أكبر عدد من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في أفريقيا، وتتصدر نيجيريا وإثيوبيا القائمة.
وعلى الرغم من أن خمس سكان أفريقيا يعانون من نقص التغذية، فإن المنطقة ليست أقرب إلى تحقيق هدف القضاء على الجوع. وفي المتوسط، تخصص الحكومات الأفريقية 3.8% فقط من ميزانياتها للزراعة، في حين خفضت بعضها إنفاقها في السنوات الأخيرة.
قارة الأمل والكآبة
قال رودولف جي. آدم، الخبير الأمني في شركة نظم المعلومات الجغرافية ومقرها ليختنشتاين: “إن النظر إلى أفريقيا يتطلب التمايز وفهم الظروف المعيشية التي تختلف جذرياً عن أوروبا”.
وأضاف الخبير إن ضغط الهجرة لا بد أن يرتفع، ففي عام 2050، سيكون عدد سكان نيجيريا حوالي 400 مليون نسمة ، أي أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية؛ وفي عام 2100، يمكن أن يصل عدد سكانها إلى 650 مليون نسمة، لتصبح ثالث أكبر دولة من حيث عدد السكان بعد الهند والصين بحوالي 700 شخص لكل كيلومتر مربع، مما يؤدي إلى كثافة سكانية تبلغ ضعف كثافة سكان هايتي تقريباً. فهل سيؤدي ذلك إلى ظروف اجتماعية وسياسية مماثلة؟”.
وتابع الخبير الأمني إن أفريقيا تعاني من الفقر المدقع والثروة الهائلة، كما ويعد التفاوت في الدخل أحد المشاكل الرئيسية في العديد من البلدان. وأشار رودولف جي. آدم إلى أن النمو السكاني موزع بشكل غير متساو إلى حد كبير، وإلى أن جنوب أفريقيا، التي تمثل نحو 40% من إنتاجية القارة بالكامل، تشهد انكماشاً سكانياً ، وهي النتيجة لمرض الإيدز (كما حدث مع بوتسوانا). وأضاف آدم إن أعلى معدلات النمو موجودة في البلدان ذات الاقتصادات الضعيفة والبيئات الهشة، خاصة في منطقة الساحل.
الصراعات والإرهاب
كانت منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا تعتبر، بدءاً من عام 2023، منطقة ساخنة للإرهاب في العالم، حيث تمثل حوالي 50٪ من جميع الضحايا الذين قتلوا في العام السابق. كما أن المنظمات المتطرفة العنيفة المنتشرة في منطقة الساحل تهدد بنشر عدم الاستقرار في جميع أنحاء أفريقيا. ومن بين هذه الجماعات الأكثر فتكاً تنظيم “داعش” في الساحل. على الرغم من أن التركيبة السكانية تعتبر عاملاً ثانوياً، فمن المرجح أن تحدث صراعات عنيفة في الدول الأفريقية ذات معدلات التوسع السكاني الأسرع. ويشير خبراء الأمم المتحدة إلى أن الفقر والجوع والبطالة توفر بيئة مواتية لنمو الجماعات الإرهابية.
وما يثير القلق بشكل خاص تجنيد الأطفال في صفوف الإرهابيين. في كل دولة تأثرت بعنف جماعة “بوكو حرام” يشكل الأطفال أكثر من نصف إجمالي السكان.
الهجرة غير المنضبطة
ولأن الهجرة مصدر أساسي للعمالة، فإنها تعود بالنفع على كل من بلدان المنشأ والدول المضيفة. ونتيجة لذلك تحقق الدول المضيفة مكاسب اقتصادية، حيث يساعد العمال الأجانب في سد فجوات العمالة، في حين يستفيد بلدان المنشأ من التحويلات المالية التي يرسلها المهاجرون. ومن ناحية أخرى، وعلى الرغم من كل الإيجابيات، فإن الهجرة من الممكن أن تشكل مخاطر كبيرة. ووفقاً لتقرير المركز الأفريقي، فإن عدد المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين آخذ في الارتفاع تدريجياً في السنوات الأخيرة.
غالبية المهاجرين هم من الشباب الأفارقة الذين يتنقلون داخل القارة، في الغالب إلى المناطق الحضرية. ومع ذلك، فإن جزءاً منهم يختار أوروبا والشرق الأوسط كوجهات. ويشير تقرير الهجرة العالمية لعام 2024 إلى أن عدد الأفارقة المقيمين خارج المنطقة قد تضاعف منذ عام 1990، مع أكبر زيادة في أوروبا.
ما الذي يجب القيام به؟
أشار الخبير آدم إذا كان العالم المتقدم يريد أن تزدهر البلدان الأفريقية، وأن يمنع حدوث نزوح جماعي متزايد لا يمكن السيطرة عليه، فسيتعين عليه أن يشارك بشكل أكبر على المستوى المحلي لخلق منظورات مستدامة وجذابة للطموحين للبقاء وبناء مستقبل أفضل لأنفسهم ولشعوبهم.
في الوقت الحالي، لا يزال يُنظر إلى أفريقيا باعتبارها خزاناً رخيصاً يمكن من خلاله تلبية المتطلبات الخارجية: الغذاء والمعادن والطاقة والموظفين المؤهلين وخاصة الأطباء.
وأشار الخبير إلى أن تحسين تحديد النسل سيصبح مفتاح الرخاء والاستقرار السياسي. وبالنسبة لأوروبا، سيكون مستقبل منطقة الساحل حاسماً. وفي الوقت الحالي، يبدو أن روسيا والصين تكتسبان موطئ قدم هناك، وبما أن أفريقيا تستحق المزيد من الاهتمام، فقد حان الوقت لمنحها أهمية أكبر على المستوى الدولي. وهذا يتطلب، قبل كل شيء، النظر إلى القارة بعين متمايزة.