الدبلوماسية الثقافية العربية تكاملية
غالية خوجة
يتكامل وطننا العربي بما أنعم الله عليه، ومن هذه النعم اللغة العربية، كأكثر محور فاعل أهمية يتضمن بقية المحاور من قيم وأخلاق وهوية وانتماء وقومية وثقافة وعلوم ومعارف وثروات بشرية ومادية وطبيعية، وموقع جغرافي، وتاريخ مشترك، وحضارة عريقة بقديمها وراهنها ومستقبلها.
وطننا العربي الذي نعتز ونفتخر به سيظل شامخاً رغماً عن كل الظروف، فما يجمعنا من بنيات صلبة لا يقارن بما يفرق، ولذلك، فإن المستقبل للوطن العربي الذي يصنعه بعقول فاعلة وضمائر صافية وطاقات شبابية وخبرات عريقة وإنسانية ومقدرات هائلة لها أن توظف في سيرورتها المناسبة لتعجّل في الصيرورة القادمة، وتجعل من هذا الوطن العريق طرفاً دولياً قوياً بين الأطراف الدولية العالمية، وهذا ما أدركه ويدركه الآخر الذي لا يريد لهذا الوطن سوى التهميش والفوضى والاستلاب والظلمات وابتكار الفتنة، وهذا ما يدركه الشعب العربي الواعي من المحيط إلى الخليج.
لكن وطننا العربي، يعلم أن الظلمات التي كان هذا الآخر غارقاً بها، ما انتشله منها سوى هذا الوطن العربي المشرق دائماً على مرّ العصور والحقب والعهود، وما يزال هذا الآخر يستضيء بطاقاتنا البشرية وعقولنا وأفكارنا ومخيلتنا ومواردنا الطبيعية وثرواتنا المتنوعة البشرية والطبيعية التي ينهبها بعد التدمير الممنهج.
ومن جماليات تكامل وحدة وطننا العربي أن نتحدى الظلمات والحصارات بدبلوماسيات متنوعة، لا تتوقف على الدبلوماسية السياسية، لأن الدبلوماسية المعاصرة تفرعت إلى قوى ناعمة راقية وفاعلة وإيجابية، منها الدبلوماسية الثقافية التي تتطلب انفتاح العالم العربي على العالم الغربي انفتاحاً متناغماً يؤسس لتكامله بمنهجية ما، معرفية وفنية تشكيلية وموسيقية وأدبية وعلمية وتكنولوجية وإعلامية واقتصادية وصناعية وتجارية وزراعية، وهذا ما هو سائد في سوريتنا الحبيبة التي تظل فاتحة أبواب قلبها، وبوابات ضوئها للعرب قاطبة، مبصرةً أن الأمة العربية قطب قوي فيما لو تمّ الاتفاق على منهجيات معاصرة ومستقبلية من أجل هذا التكامل العربي أولاً، ومن أجل الحضور في الساحة الدولية، ثانياً، كأمة تشاركية تفاعلية تتخذ موقعها الأساس في المشهد العالمي وقراراته وتفصل نزاعاته لأنها أمة وعي أخلاقي ومعرفي وحضاري وقوة إنسانية وسلام عادل وقانوني، على عكس بعض الدول الأجنبية الموجودة، فقط، من أجل الحروب والقتل والدمار والمتاجرة بالأخلاق والأوطان والبشر والسلاح والتاريخ والجغرافيا والإنسانية والماضي والحاضر والمستقبل.
والأجمل، أن كل مواطن عربي، يعتز بأمته العربية، وبانتمائه لهويتها، ولغتها لغة القرآن الكريم، وينتمي لأخلاقياتها الرافضة لكل ما يناقضها مما يشاع في العالم الآخر، ويروّج له، وتُسنّ القوانين لأجله، بحجة الحرية الشخصية! والديمقراطية!.
العالم الآخر مفكك من داخله، ويسعى إلى ترويج تفككه من خلال تفكيك قيمنا الإنسانية من رحمة وتضافر وتعاون ومحبة وطمأنينة وسلام وأمان سواء على صعيد الذات والأسرة والمجتمع. والمؤسف، أن البعض بحاجة لتوعية تفرّق بين الحرية كمسؤولية وتحرر من الظلمات الفكرية والسلوكية، والتحلّل المتفلّت من العقل والقيم والأخلاق التي جاءت كل الأديان من أجل ترسيخها، لأنها الرافع إلى الضوء النابذ لعالم الأسافل المظلم المتحلل، المتداخل بلا حدود.
وضمن هذه الدائرة الشفيفة من الأخلاق تأتي الدبلوماسية الثقافية العربية أيضاً، لتشرّع المناسب لإنسانيتها، وتسنّ القوانين التكاملية فيما بينها لتصون بنيتها الإنسانية الذاتية والعائلية والاجتماعية، فلا تسمح بتفتيت نواتها الأساسية التي تتكامل، بالطبع، مع شبكة العلائق التي تجمعها، والثروات البشرية والمادية والطبيعة، والتي لا ينقصها سوى الاتفاق على منهجيات أساسية واحتمالية مستقبلية من أجل الحضور كأمة عربية واحدة وطرف دولي واحد قوي في هذا العالم.