ثقافةصحيفة البعث

الشاعر العراقي رعد البصري: لست ضد النص النثري لكن ضد تسميته شعراً

هويدا محمد مصطفى

يصوغ الشاعر العراقي الدكتور رعد البصري مفرداته بصور متجدّدة، ليرسم مشهداً فنياً يوحي بالواقع، إذ تحمل قصائده دلالات إيحائية وطاقة لغوية يوظفها في ترسيخ المعنى لتصل إلى ذهن المتلقي برؤية جمالية متجدّدة، وذلك عبر تشكيل القصيدة العمودية التي يكتبها.

حاز البصري على جوائز كثيرة في الشعر والإعلام، وله ثلاث مجموعات شعرية هي “ماء مبلل بي” و”الخلاص إلى مشارف الحناء” و”تقاسيم على مقامي”، وله في النقد “قوافي المسرح خشبات الشعر” و”موسيقى الصوت موسيقى الصورة”.

ويأخذنا رعد البصري إلى عالمه من خلال الحوار الآتي، يقول: “بناتي القصائد الكثير لكنني أحبّ هذا النص حباً ربانياً لا أعلم لماذا، وعند كتابة القصيدة ليست هناك عوالم خفية أسبر أغوارها، إنما هو الخيال الذي يفيد المعنى وللواقع علاقة جميلة بما أكتب والصورة الشعرية عندي مزج بين الخيال والواقع والشاعر المجيد من يحسن هذا المزج، فاللحظة الشعرية عندما تأتي لا تحتمل التأجيل، وإن أُجلت ماتت أو جاءت على غير ما يريد قلبي وقلمي”.

ويضيف البصري: “الدخول إلى النص الشعري لا بدّ من أن يكون من بوابة الوجدان، فالإحساس بالشيء يصنع قيمة كبيرة له، فضلاً عن وجود ما يدعى العتبة النصية أي الومضة الأولى، أو الشرارة التي تصنع وجد القصيدة، فإن أمسك الشاعر بها أمسك بالنص كاملاً، وكم من قصيدة دخلت إلى قلبي قبل دخولي عليها، إنها تلك العلاقة بين الشاعر ونصه”.

وبسؤاله عن التجنيس الأدبي وعلاقته بالمتلقي، يجيب البصري: “يولد التجنيس الأدبي مع النص كالمولود الذي ينتمي لوالده، لا يمكن تغيير نسبه، لذا من المهمّ تحديد نوع ما نكتب، فالشعر يكتب على أنه شعر حصراً، ولا يصح انتماءه إلى جنس آخر مطلقاً، والنثر كذلك والقصة والمسرح، وتداخل جنس أدبي في آخر في نص واحد عنوةً يجعل منه مولوداً مشوهاً في رأيي”.

يكتب القصيدة العمودية وله رأي حول قصيدة الحداثة، يقول: “لا يمكن أن يدخل الشعر جنس آخر كالنثر، ولا يصح عندي مطلقاً تسمية “قصيدة نثر”، فالقصيدة شعر، والنثر نثر، ولا أدري لماذا لا يكتب الشخص بجانب نصه النثري الناثر فلان أو الناثرة فلانة؟ لماذا يلصقون ما يكتبون بجنس الشعر وهو بعيد عنه؟، الشعر موسيقى، والنثر ليس كذلك، ونعيش كذبة كبيرة ولا أهتمّ بالأسماء الكبيرة التي نظرت إلى هذا المزج المشوّه، أنا لست ضد النص النثري، لكن ضد تسميته شعراً، فماذا نقول للنثر الفني عند الجاحظ وعبد الحميد الكاتب وغيرهما هل سمّوا أنفسهم شعراء؟ أبداً إنهم كتّاب نثريون والمنصات المجانية في وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت في هذا الخلط.. أوسمة ودروع وشهادات تأتي من أشخاص لا نعرفهم تقدّم إلى شاعرات لا نعرفهن وشعراء لا نعرفهم، أقول لهم جميعاً: افعلوا ما شئتم، فالتواصل الاجتماعي متاح للجميع، لكن أرجوكم دعوا الشعر للشعراء ربما لا يرضي هذا الكلام الكثيرين”.

ترجمت مجموعته “الخلاص إلى مشارف الحناء” إلى الإسبانية، ويحدثنا عن ذلك بقوله: “الترجمة باب لتعريف غير العربي بنتاج الشعراء العرب، وهذه المجموعة كنت ترجمتها عندما التقيت في بيروت بالأديبة المترجمة تغريد بومرعي المقيمة في البرازيل، وعلى إثر هذه الترجمة وصلت دعوة إليّ لحضور المهرجان الشعري في مدريد عاصمة إسبانيا الأندلس التي أحبّ، فلها في القلب ثمانية قرون من الأدب والشعر والحكمة والحرب، إنها الأندلس وكما نرى شعب إسبانيا الآن كيف وقفوا مع أهلنا في غزة وقفة أخزت بعض الأعراب المحسوبين علينا، وعلى الرغم من كل هذه الفوائد للترجمة، لكنها في الشعر تفقده بعض خصائصه منها موسيقاه وبعض النقاد يسمّي الترجمة خيانة للنص”.

وحول رأيه في الشعر المسرحي يقول: “للأسف الشديد جنس أدبي بدأ يتلاشى في عالمنا العربي، وهذا في رأيي راجع إلى صعوبته، لأن المبدع لا بدّ من أن يمسك بأمرين معاً، فإذا أفلت أحدهما وهن النسيج كله، فالمسرح أحداث ودراما وعقدة وشخصيات وحوار، وهذا الأخير يجب أن يكون شعراً موزوناً ذا نسق صاعد مع الأحداث، الرواد أدركوا ذلك وأبدعوا كأحمد شوقي وخالد الشواف في العراق الذي ألف اثنتي عشرة مسرحية شعرية وغيرهما، وبالمناسبة أعكف الآن على كتابة مسرحية شعرية عن أحد ملوك الأندلس”.

ويضيف البصري: “الأنثى عالم غريب من الجمال والثورة والحب والعناد عالم، لا يدخله إلا الذين آمنوا بالجمال لغة متناغمة معه حتى عندما أعاندها في النص وأهجوها فأنا أغازلها وألتمس لها العذر لتغتر أكثر الأنثى تصنع النص للشاعر، وكم من نساء صنعن قصائد كتبت عليها اسمي “رعد البصري”، وكان الأولى أن يكون اسمها وكم من نساء تغيرن عليّ وهجرنني، لكن عزائي في القصائد التي خرجت من تحت جمالهن وعنادهن واحتمالهن لي، فشكراً لكُنَّ على هذه القصائد وشكراً لي لأني كتبتكن ليقرأكن الناس من بعدي.

ويعدّ البصري أن قصائده ممزوجة بالحزن، يقول: “لست عراقياً إن لم يمسس قلبي حزن، فالحزن العراقي في الجينات العراقية منذ آشور وبابل وسومر”، وأكد المواويل الحزينة صناعة عراقية خالصة، وهي عنوان للحزن أثناء الكتابة حدّ البكاء، فالعراقي حزين بالفطرة ومواسم الفرح لديه يصنعها أو يحاول صنعها لنفسه بين مدة وأخرى ليواكب عالمه، لكنه سرعان ما يعود إلى حزنه المقسم بين الوطن والفقد والناس، أما الفلسفة وفوضى البحث عنها فلا أجد ذلك ذا طائل في الشعر، ربما يكون التأمل أكثر ملائمة في شعري والقارئ ليس بحاجة إلى فلسفة في الشعر فدونه المصطلحات وكتب الفلسفة والفلاسفة فليختر منها ما يشاء ومن نصوصي التي تبعث على التأمل:

أتاني وقد زمّت إليه حقائبُه

كمن أحرقت بعد القتال مراكبُه

كمن ملَّ أن يُنسى أعمرٌ مسافر

إلى أين ..؟ أم سارت إليه غياهبُه

شارك البصري في العديد من المهرجانات الشعرية العربية، يوضح: “المهرجانات  خارج الوطن بوابة لتعريف الآخر بالشاعر، وفي بلدي العراق مواسم كثيرة للشعر، أما في سورية الحبيبة أو مصر أو عمان أو تونس وبيروت وغيرها من العواصم العربية فلها في القلب أمكنة لا تزول، ولي فيها ذكريات عن الناس والأماكن وحكايا الناس، وأنا أشكر الشعر الذي عرفني بها والقصيدة عن مدينة ما تأتي إليّ وأنا في الطريق إليها، كسورية مثلاً فقد كتبت:

عيوني لدرب الشام تسري فتعجمُ

كأن ظلال الله فيها يخيّمُ

وفي القلب ما لا يملأ العشق كأسه

ولا كأس عشق دون رؤياك تلهمُ

أتيتك من بغدادَ أنعي جوارحي

فمن منكما بين الجروح تَبَسَّمُ.