اقتصادصحيفة البعث

مرحلة جديدة من الشراكة الإستراتيجية

علي عبود

فتحت اجتماعات الدورة الخامسة عشرة للجنة العليا المشتركة السورية الإيرانية مرحلة جديدة في العلاقات الإستراتيجية السورية الإيرانية من خلال تركيزها على الجانب الاقتصادي. وتكتسب هذه الدورة أهمية كبيرة لأنها تأتي بعد توقف اجتماعاتها منذ عام 2019، وبعد الزيارة التاريخية للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق في 3/ 5/ 2023، التي أسّست للمرحلة الجديدة. وحرص الجانبان الإيراني والسوري خلال، وبعد، التوقيع على اتفاقيات جديدة أغلبها ترجمة للاتفاقيات الموقعة في أيار الماضي، على ضرورة تسريع إجراءات تنفيذها وفق جداول زمنية محدّدة، وخاصة ما يتعلق بزيادة التبادل التجاري، وفتح آفاق جديدة للتعاون بين مصارف البلدين، والاستفادة من الخبرات المشتركة في هذا المجال.

وقد ناقش الجانبان في الاجتماعات كلّ مجالات التعاون المشتركة وآليات تفعيلها على أرض الواقع بما يلبي احتياجات ومتطلبات الوضع الراهن، وشملت المباحثات قطاعات الطاقة والمشتقات النفطية والنقل والصناعة، وخاصة الجرارات والإطارات والبطاريات، والنقل والسياحة، وتعزيز التبادل التجاري، وتفعيل دور قطاع الأعمال في البلدين، وإقامة شراكات استثمارية وإنتاجية بما يخدم مصلحة البلدين والشعبين الصديقين.. إلخ.

ولا شكّ أن قطاع المال والأعمال سيجد في تأسيس البنك المشترك مجالاً واسعاً للبدء بعمليات التبادل التجاري بين البلدين وبالعملة المحلية، لأن هذا البنك سيحرّر البلدين من الدولار، أي من الحصار والعقوبات، ما يعني أن سورية وإيران بدأتا مرحلة جديدة تنفيذية لترجمة اتفاقية الإستراتيجية الاقتصادية بين البلدين. وما سيزيد من تسريع التبادل التجاري بين سورية وإيران الانتهاء من التعرفات الجمركية لأكثر من 88 سلعة، وإطلاق منصة التعريف بقطاع الأعمال والتجار في كلا البلدين مع مطلع العام القادم، وهي منصة ستتيح للجانبين اكتشاف المجالات والإمكانيات المختلفة لزيادة التبادل التجاري بين بلديهما.

ومع أن اتفاقية التجارة الحرة موقّعة بين البلدين منذ عام 2011، فإن الحرب الإرهابية على سورية حالت دون تطبيقها، وقرار اللجنة العليا المشتركة بتطويرها مؤشر مهمّ على بدء مرحلة جديدة من الاستثمار بين البلدين بما يتيح تنفيذ العديد من المشاريع المشتركة في مجالات متعدّدة ومتنوعة، كما يسهم في تعزيز حجم التجارة البينية، ولاسيما ما يتعلق بتأمين مستلزمات العملية الإنتاجية والمشاريع الاستثمارية. والمهمّ في الحقبة الجديدة من تطبيق الشراكة الإستراتيجية الاقتصادية تأسيس مصرف مشترك وشركتي تأمين، والاتفاق على وضع خريطة طريق للتعاون المشترك، وصيغ هذا التعاون وآلياته في مجالات الطاقة والصناعة والزراعة والإسكان والضرائب والرسوم والصحة والتعليم وتوطين التقنيات الحديثة.. الخ.

وبدا واضحا رغبة وإصرار كلّ من سورية وإيران على تفعيل الحقبة الجديدة من اتفاقية الشراكة، فرئيس الحكومة المهندس حسين عرنوس أكد على ضرورة أن يتمّ وضع جميع الوثائق التي سيتمّ توقيعها حيّز التنفيذ الفعلي في أقرب وقت ممكن، وتفعيلها إلى جانب الوثائق الأخرى الموقّعة سابقاً بالشكل الأمثل الذي يحقّق الهدف من توقيعها، وشدّد قائلاً: لتكن غايتنا الإنجاز والعمل بشكل حقيقي وليست مجرد التوقيع على الوثائق والتي تفقد أهميتها إذا لم نجعلها بوصلتنا نحو تحقيق أهدافنا المشتركة.

وبالمقابل أكد محمد مخبر رئيس الجانب الإيراني في اللجنة العليا المشتركة السورية الإيرانية “نحن مصمّمون على تحقيق نقلة نوعية في العلاقات الاقتصادية والمساهمة في تحسين الواقع الاقتصادي في سورية”.

وكشف الجانبان أنهما يسعيان إلى زيادة حجم التبادل التجاري ليصل إلى ما لا يقلّ عن مليار دولار خلال وقت قصير جداً في ظل وجود الرغبة والإرادة لدى الطرفين عن طريق تأسيس الشركات المشتركة المتخصّصة.

الخلاصة: تتطلّب المرحلة الجديدة من انطلاقة اتفاقيات الشراكة الإستراتيجية الاقتصادية ترجمة ما اتفق عليه في الاجتماعات واللقاءات الدورية إلى خطوات عملية على أرض الواقع من خلال البدء بتأسيس شركات مشتركة مختصة بمجالات الطاقة والصناعة والزراعة والسياحة والتجارة.. إلخ؛ وهذا الأمر قابل للتنفيذ الفوري، وهذا ما أكده الرئيس الإيراني لرئيس الحكومة المهندس عرنوس: لدى إيران وسورية قدرات هائلة لتوسيع تعاونهما في المجالات الاقتصادية والتجارية، فالتخطيط والمتابعة من قبل الجهات المعنية في طهران ودمشق سيسمحان بتفعيل هذه القدرات في أقرب وقت ممكن.