صحيفة البعثمحليات

“قالب بروكوست”..!؟

بشير فرزان

يبدو أن مراجعة القرارات الحكومية السابقة مستمرة، وتأخذ مسار التحييد الكامل لبعض الإجراءات المتخذة من قبل اللجان المشكلة، التي – على ما يبدو – حسمت خياراتها، وباتت تتعامل مع الملفات الموكلة بها من باب التصويب والتصحيح، ولكن ضمن التوجّه ذاته مع بعض التعديلات والرتوش التي لن تحدث فرقاً واضحاً في السياسة الحكومية العامة، وهذا ما يضع إيجابية هذه الخطوات أمام سؤال متكرّر عن الجديد الذي يمكن أن تبرزه الوزارات المختلفة في أدائها، وفي تعاطيها مع الوقائع التي لم تقترب منها بعد، وخاصة على الصعيد المعيشي، هذا إلى جانب إشارات استفهام حول مصير مشروع كبير مثل “الإصلاح الإداري” في ضوء النظرة الحكومية الجديدة لهذا المشروع، مع التأكيد على أن تعديل المسار الزمني لبعض المناصب أثار جدلاً ووضع التغييرات في خانة التشكيك بالإيجابية.

ومن الضروري هنا الإشارة إلى إمكانية المقاربة بين ما يجري الآن على ساحة التغيير في المشهد العام مع الحكومات المتعاقبة، مع ما كان يقوم به “بروكوست”، وهو رجل من أسطورة يونانية قديمة كان يعيش في غابات أثينا، وينتظر المارة في مكان ناء كان يعتقد نفسه أنه الأنموذج الأمثل للإنسانية المتكاملة، وكان لديه سرير حديدي في منزله، ويدعو كل من يمرّ في الطريق لقضاء الليلة عنده على سريره الحديدي، وكان يعتقد أن الإنسان يجب أن يتوافق حجمه وطوله مع حجم سريره الحديدي الخاص به هو، فمن ينام في سريره وهو أطول من السرير يبدأ “بروكرست” بقطع جزء من رجل الضيف (الضحية)، وإن كان الضحية أقصر كان يشدّ الضحية بأدواته ليناسب طول السرير بالقوة حتى تتمزق المفاصل وتتفكك من أجل أن يرضي مقاييس سريره المطابقة لجسده هو. والطريف في الأمر أن بروكرست كان لديه سريران (بشكل سري)، لذلك لم يكن هنالك أحد يتناسب مع السرير لينجو أي أنه كان يقدّر الطول ويأتي بالسرير الذي لا يناسب الشخص ليقوم بإجباره على التلاؤم مع سريره غير المناسب.

باختصار.. ما نراه هو أن السرير الجديد لا يتناسب مع متطلبات المرحلة وخصوصيتها، وهناك هواجس عديدة حول ما ينقل عن الحراك داخل الوزارات حيال الكثير من القضايا، حيث يترقب الشارع الكثير من الخطوات التي تواكب تطلعاته، وتحديداً لجهة الخروج عن القوالب المتكررة والبدء بانطلاقة واعدة في مجال التعافي رغم الظروف المتأزمة في مختلف المجالات، وهنا مكمن قوة العمل الحكومي القادر على تخطي التحديات وخلق واقع جديد بما توفره الموارد الموجودة.. فهل هذا ممكن، أم أن أول نتاج العمل الوزاري الحالي لا يعدو كونه مجرد “قالب جديد”؟