ثقافةصحيفة البعث

ممدوح سكاف.. ذاكرة ثقافية ومفصل أدبي ووطني

حمص- سمر محفوض

تحوّل الأديب ممدوح سكاف الذي سكنته حمص إلى ذاكرة اجتماعية وثقافية ومكانية لها، مشكلاً علامة فارقة تركت أثرها العميق في تجربته الشعرية المتفرّدة وفي أذهان النقاد والمتابعين للمشهد الشعري بشكل عام، إذ بيّن الناقد الدكتور غسان لافي طعمة خلال المحاضرة التي استضافها فرع حمص لاتحاد الكتّاب العرب، جوانب من حياة سكاف الشعرية والإنسانية، وقال إنه كان ذاكرة حمص المتوقدة، لدرجة أنه يمكن القول بلا تردد إن الأديب سكاف كان ذاكرة المدينة، وفي لحظة مفصلية بوعي ممدوح سكاف شكلت منه ذاكرة وطنية صافية، ولاسيما وقوفه أمام موقع حمص القديم لحظة إنزال العلم الفرنسي ورفع علم سورية الوطني على سطح الموقع في يوم الجلاء، وكان وقتها في الثامنة من عمره، وسكاف قال يوماً إن تلك اللحظة التاريخية العظيمة قد تكون حجر أساس بنائه الوطني، وهو الذي ساهم مساهمة كبيرة في دعم المشهد الثقافي في حمص خصوصاً، وفي سورية عموماً، وكان له فضل كبير في تشجيع المواهب الأدبية، والشبابية منها بشكل خاص.
الإبداع كان هاجساً رافقه في كل مراحله، منذ عمل مدرّساً ومن ثمّ صحفياً مجتهداً في شؤون الأدب والشعر، فكتب عن حمص ومكتباتها وجوامعها ومقاهيها وشعرائها، كما شارك في تأسيس رابطة الخريجين الجامعيين في حمص عام (1960)، وشغل منصب نقيب المعلمين في حمص ومديراً للمركز الثقافي، وترأس فرع اتحاد الكتاب العرب في حمص أكثر من 25 عاماً.
وأضاء الدكتور طعمة على منتج سكاف الإبداعي، وبيّن أن موضوعاته الشعرية كانت تتضمن هموماً وجدانية وقومية ووطنية، كما حملت مجموعاته الشعرية عناوين تبدو كأنما هي قصيدة تترسخ في صلب الحياة مثل “مسافة للممكن مسافة للمستحيل” و”نشيد للصباح” و”الحزن رفيقي” و”الصومعة والعنقاء” و”فصول الجسد”، وهي في مجملها تظهر نزوعاً صوفياً لدى الشاعر سكاف، كما أنها توضح ميله الحداثي المغرق في حداثيته، ما خلق الدهشة في جملته الشعرية، بالإضافة إلى التشكيل اللغوي الذي لا يتوقعه القارئ، إلى جانب إنجازه دراسة مميزة حول الشاعر عبد الباسط الصوفي، وكتاباً نقدياً مهمّاً عن تأمل الشعر، والكثير من التجارب الإبداعية الأخرى الفريدة، معداً أن سكاف شاعر حداثي رومانسي، وكان يرى الحداثة في جميع الفنون وليس فقط في الشعر، وركز على قضيتي الحب والموت وفق قالبه الخاص الفريد، كضرورة من ضرورات الكينونة الإبداعية، كما أجاد الرسم بالكلمات، وتركيب الصور والحالات الشعورية المتناقضة ليخلق لوحة شعرية منسجمة ومعبّرة، مع امتلاكه القدرة على التلوين اللفظي والتكثيف والإثارة وخلق الدهشة لدى المتلقي،وتكتمل لديه الشعرية مع عنصر الصوت وهو يحيل اللغة الى مشهد متناغم، مسهماً بذلك في الإحاطة بالمتلقي ووضعه في وسط الحالة الحسية للموضوع المراد التعبير عنه شعرياً، فتجربة السكاف واحدة من التجارب الإبداعية المتميزة في منحناها الجمالي، وفي رسم دورها الاجتماعي واختلافها عن الكثير من التجارب الشعرية في الشعر السوري منتجاً نوعياً رصد تحولات مهمّة على صعيده الإنساني والوطني والشعري.