دراساتصحيفة البعث

ماذا عن الأسلحة النووية الأمريكية؟

سمر سامي السمارة

مع تمكن ترامب من حسم الانتخابات وفوزه بسباق الانتخابات الأمريكية، يسأل المراقبون أليس من حق الناخب الأمريكي أن يعرف كيف سيتعامل صناع القرار وواضعوا السياسات في المستقبل مع التهديدات التي تشكلها أخطر أسلحة العالم، خاصة وأن الولايات المتحدة تمتلك الحصة الأكبر عالمياً  من الأسلحة النووية.

طرح المختصون العديد من الأسئلة المتعلقة بالسياسات النووية للمرشحين الرئاسيين، والنهج الذي سيتبعونه للتعامل مع التهديدات الخارجية، إلا أن كافة هذه الأسئلة لم تلقى أية إجابة. ذلك على الرغم من أنه عندما يتعلق الأمر بالأسلحة النووية، فإن أمن الأمريكيين العاديين كان ولا يزال مهدداً، خاصة مع التطوير الهائل وصيانة واختبار وتحديث الأسلحة النووية التي تمتلكها البلاد.

يرى المراقبون أن الأسلحة النووية الأميركية ألحقت الضرر بالمجتمعات الأميركية عبر التاريخ، الأمر الذي يثير التساؤل، هل اعترفت المنصتان السياسيتان الرئاسيتان الرئيسيتان بهذا الضرر وعالجتاه، وما هي التدابير التي قد يتخذها أي من المرشحين لإنهاء هذه التهديدات والوفاء بالتزام الولايات المتحدة الطويل الأمد بنزع السلاح النووي؟.

إرث من الأذى

تبدأ قصة الخطر الذي تسببه الأسلحة النووية الأميركية للأمريكيين، بتعدين اليورانيوم، بدءاً من أوائل القرن العشرين، وكان الضرر الأكبر والذي استمر لعقود من الزمان، تاركاً إرثاً ساماً لا يزال يؤثر على صحة المجتمعات الأصلية حتى يومنا هذا على أراضي نافاجو، ولا تزال آلاف مناجم اليورانيوم المهجورة متناثرة في جميع أنحاء الغرب الأمريكي، التي تسرب الإشعاعات باستمرار إلى التربة والمياه، مسببةً آثاراً صحية مدمرة مثل السرطان وأمراض الكلى لمن يعيشون بالقرب منها.

تمثل الاختبارات النووية موجة أخرى من الضرر الناجم عن الأسلحة النووية الأمريكية، فبين عامي 1945 و1962، أجرت الولايات المتحدة أكثر من 200 تجربة نووية فوق الأرضي الأمريكية وحدها، خاصة في نيفادا ونيو مكسيكو.

في وقت لاحق، أصبحت التطورات التكنولوجية التي جعلت من الانفجارات النووية “اختبارات” عفى عليها الزمن، وتُظهِر الدراسات الحديثة أن تداعيات بعض هذه الاختبارات انتشرت في جميع أنحاء البلاد، مع عواقب مدمرة على الأشخاص الذين يعيشون في اتجاه الريح، فقد أصيب العديد منهم بالسرطان وأمراض المناعة الذاتية وأمراض أخرى. وعلى الرغم من انتهاء صلاحية قانون تعويض التعرض للإشعاع هذا العام  والمعروف باسم “ريكا”، وهو البرنامج الحكومي الوحيد الذي قدم تعويضاً لمرة واحدة لبعض المجموعات المتضررة، لم يعرب أي من المرشحين عن إدراكه لهذا البرنامج، أو استعداده لاستعادته.

الأمن البشري غائب عن الخطاب

وفي الوقت نفسه، في جميع أنحاء الغرب الأوسط، تتموضع صوامع الصواريخ التي تضم الصواريخ الباليستية العابرة للقارات بهدوء تحت السطح، بعد أن شردت السكان الأصليين إلى الأراضي التي تحتلها، ولعل محمية فورت بيرثولد في داكوتا الشمالية- موطن أمة ماندان وهيداتسا وأريكارا- والتي غمرتها المياه في عملية بناء الصوامع النووية هي واحدة من الأمثلة على ذلك. وبالإضافة إلى الأضرار التاريخية التي لحقت  بالمحمية، فإن هذه الآثار القديمة من الحرب الباردة تشكل خطراً محتملاً، خاصةً وقد وقعت حوادث تتعلق بالأسلحة النووية، المعروفة باسم “السهام المكسورة”، طوال تاريخ الولايات المتحدة، ومع تقدم البنية الأساسية في العمر، يزداد خطر وقوع الحوادث.

والأسوأ من ذلك، أن خطط الولايات المتحدة لتحديث هذه الصواريخ الباليستية العابرة للقارات لا يمكن أن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع دون تقييم واضح للتأثير الذي قد تخلفه على الناس. وعلاوة على ذلك، فإن الوظيفة ذاتها لهذه الصوامع هي العمل كـ “إسفنجة نووية”، لجذب هجوم “العدو” عليها وعلى السكان من حولها. ومع ذلك، لا يوجد ذكر لعشرات الآلاف من السكان الذين يعيشون بالقرب من هذه الصوامع.

على الرغم من توقف التجارب، كانت الولايات المتحدة تعمل على تعزيز مخزونها الضخم من الرؤوس الحربية، ولم تكمل بعد التخلص من أكثر من 100 مليون غالون من النفايات السائلة الخطرة، التي تحتوي على مواد كيميائية، ومواد مشعة عالية المستوى من هذه الأنشطة. كما تواصل الولايات المتحدة أيضاً توليد نفايات نووية عالية المستوى جديدة للحفاظ على برنامج الأسلحة النووية، وعند تنفيذ خطط لتحديث المخزون النووي.

إن التكلفة البديلة المترتبة على صيانة وتحديث الأسلحة النووية باسم الأمن قد تكون “السلام والاستقرار الداخليين”، لكن البيانات الجديدة الصادرة عن مؤسسة أبحاث مشروع “صناديق السلام”  تُظهر أن الولايات المتحدة تشهد انحداراً في الاستقرار، في حين تفقد التماسك الاجتماعي.

إن تأطير الأمن القومي باعتباره “أمناً إنسانياً” ليس مفهوماً جديداً، حيث يشير علماء الأمن الإنساني إلى أن أمن مواطني أي بلد يعتمد على قدرة الجمهور على رعاية أنفسهم، والحصول على الفرصة ليس فقط للبقاء بل والازدهار.

على سبيل المثال، ركزت أجندة الأمن القومي للرئيس دوايت أيزنهاور على تحسين التعليم والنقل، وهما مؤشران للأمن الإنساني. واليوم، تنعكس هذه الممارسة في الطريقة التي تتم بها مناقشة القضايا الاجتماعية والثقافية على منصات الدفاع والأمن، ويتم النظر فيها في عملية اعتماد التشريعات الدفاعية السنوية.

وفي مقال رأي، يرى آلي مالوني، الحاصل على زمالة هربرت سكوفيل جونيور للسلام، أن “الإنفاق على البرامج غير الدفاعية والاستثمار بدلاً من ذلك في القطاع المدني يقلل من معدلات البطالة ويساهم في الأمن الاقتصادي للجمهور”، ما يزيد بدوره من الأمن الحقيقي للجمهور.

هل ينتبه الجمهوريون والديمقراطيون؟

إن المناقشة حول تأثير الأسلحة النووية على الجمهور غابت بشكل واضح عن منصات كلا الحزبين الرئيسيين، وبالكاد ناقش المرشحان الديمقراطي والجمهوري السياسات الأكثر انتشاراً، مثل كيفية تجنب سباق التسلح النووي، وكيفية حماية المواطنين الأميركيين من اندلاع الحرب النووية.

تذكر وثيقة المؤتمر الوطني الديمقراطي المكونة من 92 صفحة كلمة نووي 16 مرة، وفي حين تؤكد الوثيقة أن “الحرب النووية لا يمكن كسبها ويجب ألا تخاض أبداً”، إلا أنها لا تقدم أي خطط لمعالجة الضرر الذي ألحقته الأسلحة النووية بالجمهور الأميركي، كما لم يناقش الحزب الجمهوري كيف يمكن تنفيذ “التزامه بالتحديث”، الذي يصفه بأنه “حجر الأساس للردع”، دون التسبب في المزيد من الضرر للجمهور.

وفي الوقت نفسه، يدعم الجمهوريون على نطاق واسع تطوير وتوسيع الترسانة النووية “للتصدي للتهديدات من روسيا والصين”. وعليه إن الأمن الفوري للجمهور هو تضحية يقدمونها دون موافقة الجمهور، وينسى برنامج الحزب الجمهوري لعام 2024، المخصص لـ “الرجال والنساء المنسيين في أمريكا”، ذكر سياسات الأسلحة النووية تماماً. ففي الماضي، ذهب مستشار الرئيس دونالد ترامب السابق، روبرت أوبراين، إلى حد مناقشة استئناف التجارب النووية.

الحاجة إلى محادثة وطنية

في الواقع، يرى المختصون أن الناخبين يستحقون أكثر من حفنة من الإشارات الغامضة وغير المدروسة إلى الأسلحة النووية، كما يستحقون معرفة كيف خطط المرشحان لحماية الأميركيين من المخاطر التي تشكلها البنية التحتية النووية للولايات المتحدة، فهل سيعمل الرئيس ترامب على استئناف قانون إعادة استخدام الأسلحة النووية لتعويض أولئك الذين ما زالوا يعانون من التجارب النووية؟ وهل سيمول تنظيف مناجم اليورانيوم المهجورة ومجاري الأنهار الملوثة بالنفايات النووية؟ وهل سيعالج المخاطر التي تشكلها صوامع الصواريخ القديمة أو النفايات النووية أو خطط التحديث؟ وأخيراً، هل سيعترف الرئيس الأميركي بنزع السلاح النووي ويتخذ خطوات ذات مغزى نحو ذلك؟

إذا كان أيزنهاور قد أطر الأمن البشري باعتباره أمناً قومياً في ذروة الحرب الباردة، فإن الرئيس الأميركي الجديد قادر على ذلك أيضاً.