رأيصحيفة البعث

الرهان على الأغلبية العالمية

بشار محي الدين المحمد

بعد حسم نتيجة الانتخابات الأمريكية، يعول البعض على شخص الرئيس الأمريكي الجديد، متوهماً أن تغييره يعبّر بشكل أو بآخر على “تحسن” في التعاطي الأمريكي مع أوضاع هذا العالم الذي يأنّ بأسره تحت تسلط تلك الإدارات المتعاقبة.

وبالتأكيد فإن ملف الشرق الأوسط هو الأسخن والأهم بالنسبة لنا، فالإدارات الأمريكية أكدت وتؤكد، صراحةً وضمناً، أن ثوابت كلا الحزبين تنصّ على الحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة، وبالتالي المصالح الإسرائيلية والتفوق الإسرائيلي على جميع الصعد كجزء جوهري منها، مع تجاهل أن وجود الكيان هو لب المشكلة، والمقوّض الأول لأمن المنطقة، إن لم نقُل العالم برمته. والسؤال هنا هل من الممكن أن يحقق ترامب “السلام”- كما يردّد مناصروه- أو يعود بالعالم إلى “ما قبل الحروب” في أوكرانيا وغزة ولبنان، وخاصةً أن حزب “بايدن- هاريس” قاد العالم إلى مراحل أكثر تسخيناً وانفلاتاً؟ وكيف سيحقق ترامب تلك الأحلام وهو من عقد صفقة القرن ونقل سفارة الكيان إلى القدس؟.

كذلك تتكرر الأسئلة ذاتها أيضاً، لجهة إن كان ترامب سيحقق خرقاً في ما تسمى الدولة العميقة، وخاصة أن حزبه قد سيطر على مؤسسات الدولة القانونية والاقتصادية والتشريعية، وهل فعلاً تلك المؤسسات هي التي قادت البلاد والعالم إلى ما هو عليه الآن من أوضاع كارثية؟.

وبعيداً عن مناصري الطرفين لا بدّ من الاعتراف بأن أغلب السياسات الأمريكية ستبقى في خانة “الثوابت” عبر مجموعة من الهيمنات “السياسية العسكرية الاقتصادية”، ومواصلة مناصبة العداء لمن تعتبرهم تلك الإدارة “منافسيها” على تلك الصعد، وأكبر دليل على ذلك كثرة تحركات قطعهم وليس آخرها طائرات b52 إلى المنطقة، وفرض العقوبات بحق الدول، رغم الفترة الانتقالية التي تمرّ بها واشنطن إبان الانتخابات الرئاسية، ناهيك عن قرارات من الوزارات دون موافقة أي رئيس، ما قد يشي باستمرار العدوان الإسرائيلي والمجازر والانتهاكات بحق شعوب المنطقة أسابيع أو ربما حتى أشهر أخرى، ريثما يطبّق ترامب “وعوده بإنهاء جميع الحروب” وفقاً لوعوده الانتخابية، والتي من المعروف أنها لم ولن تتحول إلى برامج، بل ستبقى تضليلية.

واستناداً إلى تلك الحقائق أو حتى المؤشرات، فإن الرهان الحقيقي يكمن بالدرجة الأولى على المقاومة وانتصاراتها وعملياتها النوعية كسبيل للتوجه نحو تفاوض، مبني على دعائم قوية تعود بالنفع والكرامة على المنطقة بأسرها، ولا بد أيضاً من تفعيل صيغ العمل والتعاون المشترك من دول المنطقة- التي عانت ما عانته “عدوة وحليفة”- من رجس السياسات الضاغطة الأمريكية، والانضمام بشكل أكبر وأسرع نحو مؤسسات وكيانات العالم الجديد الذي ستقوده الأغلبية العالمية التي لا ينقصها لا عدد ولا عديد ولا حتى تكنولوجيا أو اقتصاد لتبوء موقعها، وتحقيق المزيد من العزل لكل المحور الغربي الذي ما زال يمارس شوفينيته وإجرامه بحق كل الشعوب، خدمةً لمصالح الرأسمالية، فـمشكلتنا اليوم تكمن في انعدام وجود قواعد واضحة للتعاون بين الدول، وهذا ما يؤدي إلى نزاعات دائمة، لكن “مادام هناك لغات وثقافات متعدّدة فإن العالم سيكون واقعياً ومتنوعاً ومتعدداً”، وفق ما قاله الرئيس الأسد في حواره الفكري والسياسي عن الأغلبية العالمية.