في “معركة” الخنق الاقتصادي.. ما هي الإجراءات المطلوبة لتصحيح مسار السياسة الاقتصادية؟
ميس بركات
لم يكن اصطدام الحكومة الجديدة بواقع اقتصادي أعرج أمراً جديداً، إذ دأبت الحكومات المتعاقبة على الخوض في معركة استمرار بقاء الإنتاج وسط الهزات الارتدادية للأزمات الدولية، وانعكاساتها السلبية على اقتصادنا الذي ما زال أساساً يدفع فاتورة الحرب والكوارث الطبيعية إلى اليوم، في محاولة منه للخروج من هذا المشهد المعقّد يوماً بعد يوم، ولا يمكن أن ننكر أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة خلال السنوات التي تلت الحرب ساهمت في حماية الاقتصاد الوطني من الوصول إلى الهاوية، إلّا أن أساليب المعالجة كانت مجرد حقنات سريعة تفتقر إلى خطط بعيدة الأمد تحدّد مسار الاقتصاد الوطني مستقبلاً.
قنوات جديدة
ومن منطلق حاجة الاقتصاد الوطني إلى إعادة هيكلة كاملة، تجتهد الحكومة الجديدة لاتخاذ كافة الإجراءات المطلوبة للتحرّر من خنق الاقتصاد الوطني، ولاسيّما مع تأكيد الحكومة خلال اجتماعها مع عدة جهات على ضرورة فتح جميع قنوات العمل الفكري والاستثماري والتجاري التي تسمح بتدفق رؤوس الأموال الوطنية بكل أنواعها وحجومها لرفد دورة النشاط الاقتصادي الوطني، ويعوّل خبراء الاقتصاد على خلق قنوات جديدة للوصول إلى موارد جديدة تقلّص من عجز الموازنة دون خلق أي تداعيات سلبية على الليرة السورية.
تصحيح السياسة الاقتصادية
أستاذ الاقتصاد في جامعة حلب، الدكتور حسن حزوري، يرى أن الإجراءات المطلوبة للتحرّر من خنق الاقتصاد الوطني، تتمثل بجملة عوامل تهدف إلى تصحيح السياسة الاقتصادية، وعلى رأسها السياسة النقدية والمالية التي أدّت إلى التضخم وانهيار قيمة العملة الوطنية، وإلى هروب المستثمرين، وذلك نتيجة تقييد حركة السيولة النقدية ونتيجة التمويل عبر المنصة، إضافة إلى التشريعات التي تمنع التعامل بغير الليرة السورية وتجرّم ذلك، مما انعكس سلباً على معظم مؤشرات الاقتصاد الوطني. ويضيف حزوري أن المطلوب اليوم هو إلغاء كلّ القرارات التي تؤدي إلى حبس السيولة، وإلغاء ما يسمّى بالتمويل عبر المنصة، مع السماح بالاستيراد والتمويل من مختلف مصادر التمويل الداخلية والخارجية.
زيادة الإيرادات
حزوري تحدث عن آثار التضخم السلبية والسيطرة عليها من خلال زيادة الإنتاج المحلي والذي يتمّ بتشجيع القطاعات الإنتاجية، مثل الزراعة والصناعة، مما يسهم في تقليل الاعتماد على الواردات ويخفّف الضغوط التضخمية، وبرأيه من الضروري أن يتمّ ذلك بالتوافق مع مراقبة الأسعار وضبط السوق بمنع الاحتكار من خلال السماح بالمنافسة الحرة الشريفة، وترك التسعير لقانون العرض والطلب، على أن تكون المهمّة الأساسية للجهات الرقابية مكافحة الغش والتدليس إلى جانب مكافحة الاحتكار، منوّهاً بأهمية زيادة الإيرادات والذي يكون بإعادة النظر بعقود الاستثمار غير العادلة الموقعة مع القطاع الخاص، كعقود شركات الاتصالات وعقود استثمار المواقف المأجورة في الوحدات الإدارية وغيرها، والتي يمكن أن تحقق إيرادات بآلاف المليارات لو تمّ استثمارها مباشرة أو أُعيد النظر بعقودها غير المتكافئة.
مناخ جاذب
كذلك لم ينفِ الدكتور سعد بساطة (استشاري دولي) أن مصادر دخل الدولة قد تقلّصت مؤخراً بشكل كبير، فمناطق النفط والفوسفات والقمح والزيتون والقطن والمياه كلها تقع في مناطق قليلة متنازع عليها، وهذا أدى إلى عجز كبير في الموازنة، في حين أن الحاجات ازدادت، ولاسيما بفعل التضخم وبعد الحرب ونتائج الزلزال، ولكن يتمّ اتهام الحكومة مراراً بأنها أضحت مجرد وسيلة جباية تبحث عن مطارح ضريبية جديدة، وهي في هذا المقصد لا تفرّق بين محدودي الدخل وبين الأثرياء أصحاب الدخل شديد الارتفاع والذين لديهم وسائلهم بالتعاون مع بعض الفاسدين للتهرّب الضريبي.
الاستفادة من الموجود
بساطة لفت إلى أن الاقتصاد بأنواعه (عام وخاص ومشترك) بحاجة إلى مناخ جاذب، إلّا أن الحقيقة التي نختبئ خلفها أن مناخنا اليوم طارد للاستثمارات، وما ألوف التجار والصناعيين السوريين المتناثرين في مصر وتركيا ودول الخليج وغيرها، إلا مثال واضح كيف تفرّط الحكومة بفعالياتها، ومن طرف آخر فألوف الأطباء والمهندسين الجامعيين والعمال المهرة الذين هاجروا إلى دول أوروبا عموماً هم مثال واضح على الكيفية التي تخرج جامعاتنا أبناءها ثم تُهديهم للدول الأخرى لتستفيد منهم في حين نشكو من ندرة الكفاءات!.
بساطة طرح فكرة الاستفادة من القنوات الحالية والتي تمّ إهمالها أو إقفالها قبل البحث عن قنوات جديدة، فمثلاً كانت سوق العراق مركزاً لتصدير السلع السورية وأضحت محدودة الآن لأسباب معروفة، كون سلعنا لا تنافس لغلائها (غلاء حوامل الطاقة، وندرة اليد العاملة، قلة المواد الخام، والضرائب المجحفة) وإلى آخر القصيدة التي حفظها الصناعي وملّ من سماعها المسؤول وتبقى الأمور على حالها.
الحلول بسيطة
وألمح بساطة إلى معاناة محافظة حلب كمثال من وجود دوائر شتى تتنافس في خلق جو مشحون للمواطن العادي والصناعي، عدا عن مساهمة الفساد في إتمام سمفونية الأخطاء والكوارث، لذا فالحلول بسيطة تبدأ بتطبيق اللامركزية وعدم حاجة كلّ موافقة إلى الذهاب للعاصمة، وهذا يتمّ من خلال تطبيق النافذة الواحدة، فالحكومة الإلكترونية معطلّة في ظل شبكة انترنت ضعيفة وانعدام للتيار الكهربائي، لذا يجب البدء ولو بخطوة واحدة كي لا تبقى الخطط الموضوعة من الحكومة مجرد شعارات!!.