دير الزور وذاكرة المدينة القديمة كما يوثقها جمعة السليمان
ملده شويكاني
يهتمّ فنان التصوير الضوئي جمعة السليمان بتوثيق التراث بشقيه المادي واللامادي في أعماله التي تظهر معالم البيئة الفراتية بدير الزور، فبعد معرضه السابق “الفرات ديرتنا” في عام 2019، عرض مجموعة من الأعمال التي تظهر تراث المدينة القديمة بأسواقها وخاناتها وجوامعها وكنائسها والطراز المعماري لبيوتها، لتتكامل في جانب آخر مع معالم حيّ الحويقة الذي يعدّ من أشهر الأحياء في دير الزور وأجملها، فشغلت هذه الأعمال حيزاً من معرضه الجديد الذي أقيم في المركز الثقافي العربي- أبو رمانة بالتعاون مع نادي فنّ التصوير الضوئي في سورية بعنوان “دير الزور.. ذاكرة المدينة القديمة”، وكان أشبه برحلة تاريخية لتراث دير الزور.
وبدا المعرض متنوعاً وغنياً بالأماكن والموضوعات والتقنيات، وقدم صورة مشرقة عن جمال دير الزور قبل أن يدمرها الإرهابيون خلال سنوات الحرب، ولم يقتصر على التراث المادي، إذ صوّر مجموعة من المهن اليدوية الشهيرة في دير الزور، منها صناعة أباريق الشاي، بالإضافة إلى توثيق الأعمال اليومية ابتداء من خبز التنور على الحطب.
وشكّل نهر الفرات المحور الأساس في المعرض، إذ خصّص السليمان مجموعة من الصور التي تعكس جمال الأماكن على ضفتي دير الزور، والمعلَم الأساس الجسر المعلق كما كان قبل الحرب، مصوراً الجسر بلقطات زمنية مختلفة، بالإضافة إلى الطوافات الخشبية التي تعوم المياه وحولها الأشجار، كما ضمّ مجموعة من المحميات الطبيعية الجميلة لتجمع الغزلان والطواويس.
الشيء الجديد بالمعرض هو توثيق حديقة جامعة الفرات، فصوّر لقطات قريبة للتنظيم الهندسي للحديقة الكبيرة التي خصصت مساحة لخوابي النحل، وركز على الأجزاء المزروعة بالورود والأزهار، أما من حيث تقنيات التصوير فنوّع بالتحكم بالزمن ومساحة الضوء وانعكاسه على المعالم الطبيعية، وخاصة في لوحات الغروب وتبدل ألوان مياه الفرات بلوحات رومانسية لتأرجح القوارب والطوافات، وبدا التركيز على الضوء أكثر في لوحات الورود في حديقة الجامعة، كما اتسعت مساحات الظل في الأعمال التراثية، مثل لوحة سوق التجار المغلق.
وفي حديث الفنان جمعة السليمان مع “البعث” أوضح أن المعرض ضمّ قرابة التسعين عملاً من الحجم المتوسط، عن الحياة في دير الزور القديمة وتراثها وأبنيتها ومعالمها الأثرية وأسواقها المقبية، فصوّر سوق التجار وسوق العطارين وسوق القصابة والنجارين والحبال والحدادة القديم وسوق العرائس، بالإضافة إلى الجوامع والكنائس مثل جامع السرايا والجامع العمري، وكنيسة السريان القديمة، وكنيسة الكاثوليك القديمة، وتابع: “كما وثّقت شخصيات من البلد مثل عبد المجيد إسماعيل أستاذ الموسيقا وغسان الشيخ باحث تراثي وغيرهم، والنصب التذكاري لمحمد الفراتي على مدخل المركز الثقافي، ووثّقت أيضاً العباءة الديرية والمزملة الديرية وهي آنية الفخار التي تستعمل لتنقية المياه، بالإضافة إلى الطبيعة الفراتية والحياة على ضفاف الفرات، والجسر المعلق”.
أما عن صور حديقة جامعة الفرات فعقب “بأنه يعمل بقسم الإعلام بالجامعة واستهوته مناظر الورد الجوري والغاردينيا والتمر القزحي والنرجس، وهي في الوقت ذاته حاضنة بيئة للنحل والفراشات، منوهاً بأن المعرض يحمل رسالة للجيل الجديد تظهر جمال دير الزور وغناها الطبيعي والتراثي والعمراني قبل أن يدمرها الإرهابيون، والآن تستعيد رونقها وتعود إليها الحياة شيئاً فشيئاً في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعمّ على كل السوريين وليس في دير الزور فقط، لكن الشعب السوري الذي واجه الحرب الإرهابية قادر على التغلب على كل الأوضاع الصعبة، ففي مرحلة الحصار كان أملنا أن نؤمّن الماء والخبز للاستمرار من أجل البقاء والتمسك ببلدنا، واليوم نتمنى من أهالي دير الزور الذين اغتربوا أن يساهموا بالإعمار لتعود بلدنا أجمل مما كانت عليه، والرحمة لشهداء الجيش العربي السوري وكل المدنيين”.