ماجد أبو شرار!
حسن حميد
أعترف أنّ غصات كثيرة علقت بلهاتي، سببها الأوفى هو محبتي لأدباء وكتّاب وفنانين، تمنيت لو أنني التقيتهم لأني أحببتهم في سلوكياتهم، وقناعاتهم، وكتاباتهم، وما أنجزوه من آداب وفنون، كنت أحسب لو أنني التقيتهم، لعشت لحظات من السعادة والانبهار، والشعور أن لا متعة تفوق متعة التعلم بالحواس كلها من خلق مازهم الله تعالى بالفرادة، والخصوصية، والقدرة على الإبهار والدهشة.
من هؤلاء المميزين ماجد أبو شرار، أحد أبرز كتاب القصة القصيرة في المدونة الفلسطينية (1936 -1981) الذي درس وتعلّم في بلدة دورا في محافظة الخليل، ثم انتقل ليتم تعليمه في مدينة غزة، لأنه والده التحق بجيش الجهاد المقدس في غزة.
تمنيت لو أنني التقيت ماجد أبو شرار لأراه وهو يتكلم ويحاور ويناقش، لأعي ما يمتلكه من قدرة على الإقناع، واستلال محبة الآخر له وسلبه إياها وهو لا يدري مع أنه بتمام الفطنة أو اليقظة.
قيل لي إنه كان مدهشاً في ثقافته، وصلباً في قناعاته، مثلما كان جريئاً في الاعتذار حين يشعر بالخطأ، لأنّ الاعتذار ثقافة، ولأن الاعتذار يعني الثقة بالنفس، والتخلص من تشوهات الحديث؛ وقيل لي إنه كان القرين الحقيقي لغسان كنفاني (1936 – 1972)، فهو مرآة لغسان كنفاني، وغسان كنفاني مرآة له في الحضور، والثقافة، والإقناع، والثقة في النفس، والعشق الوطني، وكلاهما عشق الأدب، والإعلام، والبلاد، وكلاهما رحل مبكراً، اغتالتهما اليد الإسرائيلية السوداء.
ماجد أبو شرار لم يترك وراءه سوى مجموعة قصصية واحدة هي “الخبز المر”، صدرت عام 1980 عن دار ابن رشد، في بيروت؛ وقد ضمت هذه المجموعة اثنتي عشرة قصة قصيرة، وكلها ناطقة بالهموم والمشاعر والأحلام الفلسطينية مثل الرحيل، والهجرة، والفقد، والبؤس، والفقر، والأحلام، والاغتراب، والتشريد، والحنين، والتذكر، والعودة؛ وكلها أيضاً مكتوبة ببراعة قصصية: أسلوب مئناس، وواقع معيش، ولغة صافية، وكثافة في الاقتصاد اللغوي، ودقة في الوصف.
من يقرأ قصص ماجد أبو شرار يشعر بامتلائها الفني، وغناها بالحياة الاجتماعية التي تعبّر عن واقع الحياة الفلسطينية داخل الوطن المحتل (المخيمات والسجون والقرى والمدن)، وخارج الوطن الفلسطيني في المنافي، ولاسيما في المخيمات، والثنائيات التي تجاورت في الذات الواحدة بكل ما فيها من تضاد، ومفارقة، وقهر، وظلم، وأمنيات وأحلام، وجمال، وقباحات، وعطش لكل ما هو إنساني ونبيل وكريم.
وهذا ما يجعل المرء يقول: لو امتلك ماجد أبو شرار الوقت من أجل القراءة والكتابة، ومن أجل مجالسة موهبته ورعايتها، لكتب لنا أجمل القصص التي تحكي هموم الفلسطينيين وغمومهم، والقصص التي تحكي عن أحلامهم التي راحت تتطاول وتتكاثر مع تقدم الأزمنة وكثرة وجوه المحاصرة وآهات الحسرة. ولكن، حسب المرء، وفي كثير من الأحيان، أن يعشق البرتقال حين تلفّه روائحه الزواكي، أو حين يرى ألوانه البارقة، أعني أن القصص المبثوثة في مجموعة (الخبز المر) ل ماجد أبو شرار عبرت بجلاء عن ثقل الموهبة الأدبية التي تمتع بها ماجد أبو شرار، وعن هذه البهرة التي تمتعت بها عينه الرائية، وعن إحساسه الوطني النفوذ، وعشقة للأدب والإبداع، ولكن السؤال يظل يطل برأسه لماذا لم يتقفَ ماجد أبو شرار درب غسان كنفاني في الأدب ليكون مثله في الحيوية التي جالت في الجوانب السياسة، والمهام الفكرية، والشواغل الإعلامية، والكتابات الأدبية؟
ترى من وقف عائقاً فحال دون ظهور قصص أخرى جديدة لـ ماجد أبو شرار، وقد حظيت قصصه بتقريظ نقدي يعتد به؟ وهل من المعقول أن يكف العاشق عن عشقه فجأة؟ وكيف يحدث مثل هذا الأمر، وقد كان ماجد أبو شرار حاضراً في لجة مهولة من صخب الإعلام، والصحافة، والبيانات، والمنشورات، وحضور الأدباء، وكثرة الأسئلة حول الفكر، والفلسفة، والإيديولوجيات السياسية، والمدارس النقدية، والقراءات متعددة المستويات؟ لقد كان رئيس تحرير، ومسؤولاً عن الإعلام الموحد، وعضواً بارزاً في اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وناشطاً في مؤتمرات وملتقيات وندوات عربية وعالمية.
Hasanhamid55@yahoo.com