اقتصاد

المهام الإدارية بين الأداء والادعاء

من المتفق عليه، أن المهمة الإدارية تتطلب المعرفة والكفاءة والنزاهة والأهلية القيادية، وحسن وجدية وشجاعة ومرونة الإدارة وحكمة القرار -خاصة في المهام العليا-، وكثيرون هم الذين يبرزون إمكاناتهم ويعلنون عن مؤهلاتهم ويبدون استعدادهم ورغباتهم، ومطالبتهم بالقيام بهذه المهمة أو تلك، ما يدفع أصحاب القرار إلى تعيين نماذج منهم في العديد من المهام، ومعظم من يتم تعيينهم يحظون بداية بارتياح وتصفيق بعضهم، من منطلق الأمل أن يكون الجديد أفضل من سابقه، اعتماداً على حسن المسموع من كلام الجديد وعنه، والمكروه من أعمال سابقيه، وقد تشهد الأيام والأسابيع الأولى من استلامه مهمّته، بهرجةً من إجراءاته توهِم بجدارته، ولكن ما إن تمرّ الشهور، حتى يتَّضح على حقيقته، ويتكشف للجميع أنه لا يعرف أين يضع رجله، ولا ماذا يمْسِك بيده، ولا مدى مسؤوليته عن الكلام الذي يبدأ به أو قد ينتهي إليه، وخاصة في حال كان معيَّناً من خارج الإدارة, وانكشاف أنه لا يعرف شيئاً عن مجْريات العمل فيها، إذ يتبيَّن لاحقاً أن شدة الهمَّة المتوقعة أو التي أبداها غير مترافقة مع حسن الاهتمام المتوجب، فالنزاهة المنشودة مهدودة، والمؤهلات العلمية غير عملية أو غير معمول بها، واستثمار الكفاءات مكرَّس عملياً لما فيه المصلحة الشخصية، على حساب مصلحة الإدارة، خلافاً لما كان مدَّعَى به نظرياً، حيث إن كل من يتمعَّن في ممارساته يجد التباين وربما التناقض، بين المأمول والمعمول، وذلك عند إجراء أدنى مقارنة بين المتطلبات الواجبة، والمعطيات المتاحة والممكنة، والمؤسف أن بعضهم ينفِّذ بشكل عكسي –جزئياً وربما كلياً- مفاهيم التطوير والتحديث والإصلاح ومكافحة الفساد، فالتطوير ينفّذونه تبديلاً وتدويراً، وليس ارتقاء نحو الأفضل، نتيجة ما يتوجَّب من تعديل وتغيير، ويصرّون على إبقاء الخلل بعيداً عن أي إصلاح، بل يرتكبون المزيد منه، ويتكوَّرون على أنفسهم وعلى إداراتهم، بدلاً من أن يتطوَّروا ويطوِّروا، ويمارسون التحديث بما هو أقرب إلى التخييس، فيحدِثُون بدلاً من أن يحدِّثُوا، ولا يتقدَّمون بأية اقتراحات بنَّاءة إلى الإدارات الأعلى، ولا يبدون أي اهتمام في تحسين أداء المفاصل الأدنى في إدارتهم، ويُبقُون على ما هو قائم من فساد، بل يعيثُون فساداً أكثر، والغريب أنه عندما يَخْرُج أو يُخْرَج بعض هؤلاء من مهمّته، يتشدَّق بكلام منمَّق، وبكثير من الصلافة والوقاحة، عن فساد موجود، ويدَّعي أنه معارضة، متجاهلاً ممارساته الشخصية الأكثر فساداً، متوهّماً أنه بمقدوره أن يضلِّل مَن لا يعرفه عن قرب، بل حتى من يعرفه جيداً، ما يجعل من حق وواجب كل معنِيّ ومهتمّ ومتابع أن يتمعَّن ملياً ويتساءل ما العمل؟.
ما دام من المجمع عليه أن الإصلاح الإداري مدخل لبقية الإصلاحات، نأمل من الحكومة القادمة أن تضع نصب أعينها، التأسيس لهذا الإصلاح المنشود، بدءاً بتعرية فساد الفاسدين، وخاصة الذين حملوا لواء المعارضة، أو الذين يستثمرون مناهضتهم للمعارضة، على أن يكون للإعلام اليد الطولى في ذلك، وألا يقتصر دوره على تفخيم صاحب المهمّة، بل متابعة أدائه لعمله عبر ملتقيات دورية ينظمها، بغية نقد أدائه والاستماع إلى شكاواه ومعيقات طموحاته والشكاوى عليه ومبررات قصوره، وتقبُّل الشكر والثناء حيث يجب، والعتب أو المساءلة والمحاسبة حيث يلزم، بمواكبة من الإدارات الأعلى والأجهزة الرقابية، وأيضاً تنظيم لقاء مطوَّل وموسَّع معه عقب انفكاكه، كل ذلك، بغية إبراز الأداء الحسن لنسبة لا يستهان بها من الإداريين، الذين تفخر بهم إداراتهم ويفخر بهم وطنهم، ما يدفع لأن يكونوا قدوة حسنة يُقتدى بها، ويجعل ذوي الأداء السيئ يُطرِقون رؤوسهم خجلاً وذُلاًّ، ما يشفي غليل الجمهرة الكبيرة من المواطنين، التي ما زالت تأمل نجاح مسيرة التطوير والتحديث والإصلاح ومكافحة الفساد من خلال تحقُّق وجود الرجل المناسب في المكان المناسب، المتوجب أن يحتفل – هو ومحبّوه- بيوم انفكاكه كاحتفاله بيوم استلامه، نظراً لارتياح ضميره على حسن أدائه، وأن يكون مهنّئوه ومادحوه عند الاستلام، بكمية ونوعية مهنّئيه ومادحيه عند الانفكاك، فهل سيتحقق ذلك على يد الحكومة القادمة؟ أم سنبقى نسمع ونرى من يكرِّس الخلل جهلاً أو عمداً، بحجة أن الظروف لا تسمح بالإصلاح ولا بمكافحة الفساد، “يا نفسُ من همّ إلى همّ”.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية