هل يعيد الأدب البوصلة إلى مكانها الصحيح؟؟ الأديب السوري بين مطرقة الصمت الدامي.. وسندان الكلمة المضيئة
دخلت الحرب البربرية على سورية عامها الرابع..حرب شعواء لم يشهد لها التاريخ مثيلاً ..”ربيع صحراوي” حاقد على الإنسانية والحضارة والأديان… “ربيع نازي” أزهر دماء، خراباً وفجيعة. والمأساة: وطن يحترق! وسط هذه الحالة المؤلمة التي تعيشها سورية، أين يقف المثقف السوري من كل ما حصل؟ ما هي حال الأديب السوري خلال الأزمة، ما هي الحالة النفسية التي عاشها عبر تداعيات ومعطيات الحرب المستعرة على سورية؟ ما الرسالة التي ألقتها الأزمة على عاتق أدبائنا السوريين؟ وهل كان الأدب السوري عبر الولادات التي انبثقت من رحم الوجع على مستوى الحدث “المؤامرة”؟ وهل اتسعت فضاءات أدبائنا لهذا الربيع الأسود الذي أزهر كل هذه الدماء والجراح؟ حزمة من الأسئلة أطلقنا لها العنان في فضاء الأدباء، فحرضت وأثارت وأوجعت البعض، في حين زادت بعض الصامتين صمتاً قاتلاً.. فلماذا هذا الصمت المذّل وقد” طما الخطب حتى غاصت الركب”؟!
فاضت الدماء عن الكتابة
الروائية والقاصة توفيقة خضور قالت: حال الأديب السوري كحال أي مواطن خسر السلام الروحي بفقدان الأمان الذي كان قوتنا وهواءنا وسرير أحلامنا، الأزمة طالت كل مفصل من مفاصل حياتنا، أوجعتنا وفطرت قلوبنا لكنها لن تجرؤ على إضعافنا أو النيل من قوتنا وتمسكنا بسورية القوية الممانعة الشامخة رغم أنف الظلام ودعاته ومنتجيه. وأضافت: إن أوجاع الأزمة قد تجلت في إنتاج الأدباء نصوصاً تنّز دماً وتعبر عن هشاشة الأدوات التي تقودها القوى الخارجية إلى حتفها، وتحكي قصة المواطن الذي طحنته ظروف الأزمة كالتهجير والحصار واستغلال البعض للوضع الراهن لزيادة ثرائهم، من خلال استغلال المواطن في لقمة عيشه وسكنه، بمعنى أن النصوص المكتوبة تحاكي الواقع لكنها تستشرف المستقبل الذي تلوح بوادره في الأفق. وفيما يتعلق بالرسالة التي ألقتها الأزمة على عاتق الأديب السوري، قالت خضور: هي رسالة مقدسة قدسية الوطن، مسؤولية كبيرة لا يجدر بأحد أن يتجاهلها أو يتهرب منها، فالكلمة كانت وستبقى نوراً لا يخبو، ولا تبرد الدماء في عروقه، الكلمة سلاح أمضى من الزوال وأقوى من الفناء، لذلك يجب على الأديب أن يقول كلمته بمصداقية عالية ويحارب الإرهاب والفكر الظلامي بالكلمة المضيئة التي لا تنحني للوجل ولا تشيح بوجهها عن الحق. وتتابع الروائية خضور: الجراح أكبر من كل ما كتب عنها وما قد يكتب، والدماء التي سالت أغزر من أن يتسع لها قرطاس أو يعبر عنها قلم مهما كان مبدعاً، والبطولة التي دافع بها السوريون عن وجودهم ووطنهم أعظم وأطهر من أي فعل وأرقى من كل الفنون.. لذلك أعتقد أن الأديب السوري قصّر عن الإحاطة بكل هذه الجوانب وفاضت الدماء عن طاقته للكتابة، وأعتقد أن الجميع حتى الذين تواروا، حذراً، خوفاً، أو لعلّة في البصيرة والبصر ستلد أقلامهم توائم تحتفي بالجمال وتعصمه من الموت بعد انتهاء الأزمة، وانتصار سورية النصر المبين الذي نراه قريباً بإذن الله.
أدباء جرفتهم المؤامرة
بدوره الشاعر سمير حماد قال: الأديب السوري لم يكن قبل الأزمة وبعدها بمنأى عن الأحداث التي تجري، سواء في المنطقة العربية أو في الربوع السورية، وقد حاول الأدباء منذ البداية أن يشيروا إلى الخلل الموجود في المجتمع. وأضاف حماد متسائلاً: أليس ابتكار الإنسان للثقافة والكتابة كان المقصود بها جعل الحياة أكثر قابلية للعيش، وأكثر قدرة على مواجهة الخلل والخراب الذي يهدد المجتمع بالانهيار؟ وتابع الشاعر: لطالما أعلن الأدباء عبر ماكتبوا وما يزالون أن السوريين لا يستطيعون حماية بلدهم إلا بالقوة العقلية والمادية وبالإيمان الراسخ بحضارتها وتراثها ورسالتها الحضارية. وأضاف: إن الكتّاب آمنوا وزرعوا في نفوس مواطنيهم أننا سوريون لنا وجود بقدر إيماننا بحضارتنا ورسالتنا، وهنا إما أن تكون لنا سوريتنا أو لا تكون، فلا نكون، نحن عبر تاريخنا كنا نرفض دائماً اليأس من الخلاص رغم عتو الموجات الغازية، وكنا دائماً مسلحين بالأمل، وهذا بالنسبة لنا راسخ في نفوسنا ومبدأ من مبادئنا مهما كانت التضحيات، وإن حاد البعض عن الطريق وجرفتهم المؤامرة الكونية والإغراءات المادية ومحاولة اصطياد الشهرة الإعلامية. واسترسل الشاعر حماد قائلاً: حماية الأمل تعني حماية سورية، سورية بلدنا وعالمنا المقدس، وهي تمثل الحضارة والقوة، الإرادة والحقيقة والعمق التاريخي، وهي ستبقى كعهدنا بها بعيدة عن المهازل الطائفية والعنصرية المضمرتين وهما سمتان متوحشتان لاتصنعان حضارة ولا تبنيان مستقبلاً. وأكد حماد أن الكلمة التي يطلقها المبدعون والقصيدة التي يغردها الشعراء ستبقيان يداً بيد مع الطلقة التي يطلقها حماة الديار دفاعاً عن الأرض والعرض والتصدي للغزاة والتكفيريين الظلاميين ومن يقف خلفهم من أعراب وأغراب وصهاينة.
لم يرتق الإبداع لمستوى الحدث
أعتقد أن هذا الربيع القادم إلينا من الصحراء كشف عري الكثيرين من الثقافة الحقيقية بمعنى الانتماء للوطن وللإنسان فيه وحضارته الضاربة في الجذور، واستبدلوها بثقافة مستوردة ومعلبة كوجبة جاهزة، هكذا بدأت حديثها الروائية والشاعرة انتصار سليمان وأضافت: هنا كان الخلل بين الواقع وما يحمله من قيم وموروث وما هو مفتعل.. هنا كان على المثقف أن يعي ذلك لكننا للأسف وجدنا أن الغالبية أزهر لديهم هذا الربيع صمتاً مريباً.. بالتالي اكتشفنا أن الشارع السوري قد سبقهم في تعرية المؤامرة وحجمها على بلادنا بعكس ما كان متوقعاً! هنا أتكلم عن الغالبية ولو عقدنا مقارنة واقعية لاكتشفنا حجم هذا الصمت بعكس من خرجوا إلى خارج سورية وأخذوا على عاتقهم تدمير كل قيمة إنسانية أو أخلاقية أو ثقافية آمنا بها، عملاً بمشروع تفتيت الدولة لصالح الغير أو لمصالحهم الشخصية.. وتأسف الشاعرة سليمان أن الإبداع الأدبي، برأيها، لم يرتق لمستوى الحدث، إذ قالت: لم يستطع الكاتب تقديم الحلول ولا تأدية رسالته السامية في تعميق إنسانية الإنسان والارتقاء به إلى مصاف التضحية، بالتأكيد هنا لا أعمم لكنني أتحدث عن الغالبية الصامتة والمتواجدة داخل سورية، فثمة تقصير غير مبرر للتمجيد بالتضحيات التي يقدمها جيشنا، وتقصير في العمل لتوضيح ما يجري للخارج ولو بوقفة احتجاجية أو بإقامة أماسي شعرية، فهل يعقل أن تمنع في بعض المنتديات التي ظهرت خلال هذه الفترة قراءة القصائد التي تمجد الشهيد! بحجة أن لا علاقة لنا بالسياسة! وتتابع الروائية سليمان: شعرت بالخذلان من بعض مثقفينا كما شعرت بالغبطة لعودة بعض الأسماء الهامة للوقوف بصف الوطن.. وأما عن النتاج الإبداعي فاستطردت الشاعرة قائلة: ربما لم يختمر إلى الآن حتى لا يأتي العمل مباشراً أو توصيفاً للحدث لكنني أتمنى أن توّثق هذه المرحلة بطريقة إبداعية خلاقة من أجل الأجيال اللاحقة، ربما يتبلور هذا النتاج عند أحد المبدعين لنصفق له بحرارة ..لنقل حينها إن الأدب يوصل لنا رسالته الإنسانية والحضارية ويعيد البوصلة لمكانها الصحيح.
تقصير إعلامي…؟؟
من جهته الكاتب الروائي والمسرحي علي ديبة قال: لا أستطيع التحدث أو وصف أحوال الأدباء ومذاهبهم في التفكير نيابة عنهم فيما يخص الأزمة السورية، غير أني قد أكون مثالاً ينسحب على دلالات ظاهرة معلنة، أو متوارية صامتة، تخص المثقفين والسوريين عموماً، وأضاف: إن الأديب السوري الحقيقي وقف وقفة وطنية صادقة لاشك فيها، ترجمها أنشطة في كل مكان حل فيه، مواقف تقاطعت معها كل خيوط الثقافة والمثقفين حول ضرورة حماية الفكر العلماني القومي من هجمة صهيونية أطلسية أدواتها رجعية عربية تعمل على قطع الرؤوس والأطراف. وأشار ديبة إلى أن الغرب استغل إلى حد ما التخلف الثقافي العربي استغلالاً لا أخلاقياً، هو يعرف من خلال الماضي والحاضر، ومن خلال قنوات الإعلام وأساليب التجسس وتموضع سفاراته أن روح المثقف العربي تصبو إلى انتقالات فكرية نوعية تخدم التاريخ والحداثة في آن معاً، ولعله ضَمِن في بعض الأقطار العربية تأييد وصمت كثرة مثقفة أضاعت واستبدلت حلمها بالمال والمناصب، أما في سورية فقد استحالت اللعبة هشيماً محترقاً بسبب الصمود السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي لزمن رفع الستارة الأخيرة عن المؤامرة الصهيوأمريكية أطلسية وأخجل من قولي عربية. وأوضح الأديب أن وسائطنا الإعلامية المرئية خاصة مقصرة إلى حد ما، فهي لم تتوجه مباشرة إلى الوسط الأدبي العريض بقدر ما توجهت إلى أسماء تتبوأ المقاعد الأولى في قنواتنا الثقافية وإلى أشخاص يشكلون شهادات خارجية تكررت معلوماتها تكراراً مملاً، مما أخلى الساحة الثقافية الحقيقية بعض الإخلاء، فانضمت أسماء شهيرة إلى قائمة الصامتين، غير أنهم وفي زمن لاحق استشعروا حجم الخطر القادم، وشنوا حملة شعواء على أولئك المثقفين والفنانين الذين سرقوا أمكنة لايستحقونها ومن ثم اختاروا طريقاً لا وطنياً، فقط لتلميع أسمائهم، بعد هذا الوضوح ـ يتابع الكاتب ـ لايمكن للمثقف والأديب في سورية إلا أن يمتلك فضاء وطنياً، لن يبقى دفين نفسه، إنما سيترجمه إلى إبداعات تعصم أجيالنا من شر لعبة مماثلة، وربما أعظم.
عبير زرافة