ثقافة

هبا الضفايرها شقر

لم يكن بالأمر اليسير على هذه المغناج بنت الست ياسمينات ونصف أن تنهض كل أحلامها لتصنع براحتيها النحيلتين صباحات خلّبية محشوة ببرد الفقد وبفراغ كبير.. صباحات بلون الخريف.
لم يكن تفوقها بدراستها هو ما يشغل بالها، ولا حتى سندويشة الزيت والزعتر رفيقة درب يومها المدرسي.. ما أصبح يشغل بالها ويقض مضجع تفكيرها الطفولي هو كيف ومن سيسرح لها شعرها.. من سيعتني بتلك الضفائر الحرة ويزينها بألوان قوس قزح، ويطلق منها للربيع أسراب الفراشات والعصافير.. ويا خجلتها ويا خيبة قلبها من الشمس التي كانت من خيوط شعرها الذهب تغار وتغيب..!
أجابتني على سؤالي الذي قرأته من دهشة عيني عندما فتحت لها باب الصبح حيث شام تنتظرها كما العادة باكراً.. دموعها كانت حاضرة وكأنها بانتظار إشارة الهطل لتنهمر بلا توقف.. ضمتني وكان البكاء سيد الموقف.. وبعد صمت لم يدم طويلا.. فهؤلاء هم الأطفال أجمل ما فيهم أنهم لا يستقرون على حال ويرمون بالحزن والدمع بعد استخدامه حالا في سلة المهملات، ويقطفون الفرح من فم العدم بلا استئذان.. هم بهذا تفوقوا جداً على غباء حزننا نحن الكبار..
ابتسمت هبا وكأن الله وملائكته بسابع سماء عن ضحكتها راضين.. قالت لي بخجل الورد إذ ما لامسته النسمات.. (خالتو ريم) أمي تعمل ضابط في الجيش العربي السوري وعملها يتطلب التنقل كل فترة من مكان لآخر، ومع بداية هذا العام ناداها الواجب لتترك وطنها الصغير وتذهب لوطنها الكبير فهو الآن أحوج ما يكون لكل سواعد البلاد فلبت النداء.. أمي الآن في ساحات أخرى للقتال.. وشعري الذي نذرته أمي للشمس وللريح لا أحد يجيد الاعتناء به إلا يداها الخيرتان، لذا قررنا أنا وأبي أن أقص شعري فهو الحل الوحيد، وسوف يعود ليزهر من جديد كما سيزهر الفرح في وطني الحبيب، فللحرب وغياب الأم أحكام يا ابنتي هكذا قال لي أبي.
بلا أي حرف أو حركة سمعتها لآخر درة خرجت من فمها، وكدت أختنق بغصة لم تفارقني حتى اللحظة، ولم أعد أعرف كيف سأصف لها مشاعري أو كيف سأعبر عن كل هذا الألم الكبير وأنا أعصر قلبي كليمونة على هذه البقع القاتمة من الحزن علّها تغيب.
ضممت هبا إلى صدري وكأنني أضم بجسدها الغض أطفال العالم أجمعين..
بأمثال أمك وجنودنا الميامين يا صغيرتي لن ندع الموت يأخذ مجراه وبأذن ضحكة أزهار اللوز ستعود سورية أجمل بكثير..
لينا أحمد نبيعة