ثقافة

أورويل في رواية “مزرعة الحيوان”.. نقدٌ لاذع للثّورات وأرْبابها

” كل من يمشي على قدمين فهو عدو.
كل من يمشي على أربع أقدام أو له أجنحة هو صديق .
يحظر على الحيوان ارتداء الملابس .
يحظر على الحيوان النوم على سرير.
يحظر على الحيوان تناول الخمر.
لا يجوز لحيوان قتل حيوان آخر.
كل الحيوانات متساوية في الحقوق والواجبات ” .
هي الوصايا التي انتهى إليها الاجتماع الثوري الثاني لحيوانات المزرعة ، مزرعة السيد جونز، وكانت الحيوانات الثائرة قد استغلت نوم صاحب المزرعة الذي أثقلته الثمالة، فتنادت إلى اجتماع اقترحه كبير الخنازير وحكيمهم ” ميجر”، وهكذا يمهد العجوز لما كان يخطط له من خلال حلم كان رآه في ليلة سابقة حول القادم من مستقبل الأرض.
يستغل ” ميجر ” مشاعر الحضور من كلاب ودجاج، أبقار وخنازير وسواها من ساكني المزرعة الكبيرة؛ بالإضافة إلى عددٍ من الشخصيات ذوات المكانة المحترمة كالحصانين ” بوكسر وكلوفر”  ” مولي ” المهرة المدللة ” بنجامين ” الحمار وعدداً من فراخ الإوز والحمام وغيرها، يستثير في الجمع شعوراً يتملكهم؛ بالاستغلال من قبل مالك المكان :” لماذا نرضى أن يسلب الإنسان نتاج عملنا ويجني ثمار تعبنا، ذلك هو الجواب عن تساؤلاتنا ياأصدقائي: الإنسان هو عدونا الوحيد “.
بعدها يروي للحضور حلمه الملهِم ” رؤية مستقبل الأرض خالية من جنس البشر “. بعد أيام ثلاثة من هذا الحدث يفارق العجوز ميجر الحياة، لكن ما تحدث به في تلك الليلة كان قد فتح بعض العقول على آفاق جديدة ، وهكذا تبدأ التحركات ؛ فتأخذ الخنازير على عاتقها المهمة في التوعية من جهة والتحريض من جهة اخرى لتستغل الحيوانات حالاَ من الفوضى والارتباك سادت المكان ما اضطرّ صاحب المزرعة  مغادرتها.
إثر ذلك تصدر القوانين التي سوف تحدد سير الأمور، يتغير اسم المزرعة بتغيّر ملكيتها لتصبح ” مزرعة الحيوان” وعلى اعتبارها الأذكى؛ تأخذ الخنازيرعلى عاتقها الإدارة والتدبير في المحيط ؛  وتسيير الحياة في المكان؛ تخطط وتوزع مهام التنفيذ على قاطني المزرعة، يتولى ” سنوبول  ” و ” نابولين ” قيادة الجميع؛ ويوكل إلى ” سكويلر” مهمة المتحدث باسمهما .
مع مرور الوقت تبدأ الخلافات والصراعات ما بين الاثنين بالظهور على السطح، ليلجأ نابولين بحكنته إلى مجموعة من الكلاب التي دربها سابقاً تدفع بسنوبول إلى الفرار بعيداً، خصوصاً بعد أن بدأت الشائعات التي أطلقها وروج لها ” سكويلر ” تفعل فعلها بين السكان ؛ عن كونه خائن يتعاون مع العدو الأول لبني الحيوان، ويتسب بالمشاكل التي كثرت مؤخراً.
يوماً بعد يوم؛ تبدأ أمور المزرعة بالانحراف عما رُسم لها ، إذ يتغير أسلوب الإدارة فيغدو ” نابولين ” زعيماَ كبيراً، يقلل من الظهور، ينفرد في إدارة المكان بعيداَ عن التشاور والتحاور حتى مع مساعديه، وبات المطلوب تنفيذ الأوامر التي لا جدال فيها، فتاهت الحيوانات ما بين ترويج سكويلر وتبريراته لما يجري ؛ وما بين الخوف الذي تثيره الكلاب الشرسة، أصبح الإخلال بالوعود أمراً حتمياَ ولم تعد حصص الطعام  تتناسب مع ساعات العمل الطويلة  :” ومثلما فعل في المرات الماضية لم يجد سكويلر صعوبة في إقناع الحيوانات أن الضرورة تحتم تعديل الحصص… وأكد لها على الرغم من ذلك أن التحسينات التي طرأت على حياتها مقارنة بأيام جونز لا تعد ولا تحصى”.
ولم يعد  تجاوز الوصايا المتفق عليها أمراَ مستغرباَ ، فأخذ كل شيء يسير بما يتفق وأهواء ” نابولين ” الذي انتقل للعيش في منزل السيد جونز، ينام على سريره يأكل كما كان يأكل ، يدخن ويشرب الخمر، وشوهد لأكثر من مرة يمشي منتصباً على قدمين اثنتين، ولم يتوان عن مشاركة جيرانه من المزارعين السهر ولعب الورق وعقد الصفقات التجارية معهم، لينتهي الأمر إلى تعديل اسم المزرعة من مزرعة الحيوان إلى مزرعة الخنازير و:” بينما كانت الحيوانات تتابع مشهد الاحتفاء بتغيير الاسم، وهي تحدق في وجوه المحتفلين بدا لها أن ثمة أمراَ غريباَ طرأ على مظهر الخنازير….. بيد أن ما كان يبعث على الحيرة والدهشة هو التبدل الذي كان يطرأ على الوجوه، فقد بدت ملامح المحتفين قريبة الشبه بعضها من البعض الآخر… لا فرق بين حيوان وإنسان”.
وهكذا تتوالى أحداث الرواية  تستحوذ على عقل قارئها من خلال روح السخرية التي تسودها، تتطور بشكل منطقي ، ضمن حبكة مدروسة ومحكمة لا إطالة فيها ولا تكرار لتستحق ” مزرعة الحيوان ” للكاتب جورج أوريل قراءتها بتمعن ومتعة ،  تدفع بقارئها للمقارنة والإسقاطات المتكررة لأحداثها على الواقع، وفي هذه الرواية  وسواها ورغم الاختلاف في وجهات النظر والرؤى لا بد لقارىء أورويل من تقديره لما يبديه في أعماله من إخلاص للمبادىء التي ناضل لأجلها، والتي عبرها وجه نقده اللاذع إلى ثورات لم تأت بجديد، ولم تحقق النتائج التي كان يعوّل عليها، بل لعلها في أغلبها انتهت إلى ما هو أسوأ بكثير مما حاولت الانقلاب عليه.. وكأننا به يتنبأ بما يجري برغم أنه وضع الإصبع على الجرح تماماً، إلا أنه لا يأمل بالقدرة على نقلة تبشر بالأفضل.
ترجمت مزرعة الحيوان التي صدرت في فترة الحرب العالمية الثانية إلى عدد كبير من لغات العالم قاربت السبعين؛ كل لغة منها أخذت الرواية إلى بيئة جديدة، عدا عن ذلك كان لها أن تجسدت على الشاشة الصغيرة من خلال فيلم كرتوني في العام 1954 ، كما واعتمدت أساساً لفيلم سينمائي أُنتج في العام 1999.
بشرى الحكيم