محليات

الشروط الفعلية والحقيقية لتحرير الأسعار غير متوفرة أسواق بلودان مثال حيّ لتنوع المنتجات وفلتان التجارة وتفاوت الذرائع؟!

تشهد الأسواق بين فترة وأخرى ارتفاعاً جنونياً وهيجاناً مشتعلاً في الأسعار، وعلى الرغم من حالات التفاوت التي تبدو أنها السمة الغالبة على الأسواق، إلا أن الفوضى هي الأكثر حضوراً في ظل الإغراق السعري ومحدودية دور حماية المستهلك بعد أن تم الأخذ بسياسة تحرير الأسعار، وأسواق بلودان كغيرها اعتاد فيها التجار والباعة على رفع الأسعار خلال المواسم وعشية الأعياد، وكأن هذا الشهر مبرر لانفلات وفوضى الأسعار، والمسؤولية في ارتفاع الأسعار لم تكن يوماً مرهونة بطرف بعينه، وإنما تبدأ من التاجر الذي يملك احتكار السلعة ولا تنتهي عند حدود تاجر الجملة أو المفرق، كما أن المسؤولية يمكن سحبها أيضاً على الجهات الرقابية التي انسحبت في السنوات الأخيرة من الأسواق عملاً بسياسة تحرير الأسعار.
والاعتقاد السائد اليوم أن تحرير الأسعار دون حضور الشروط الاقتصادية السليمة التي تتوازى مع هذا التوجّه، أسهم إلى حد كبير في فلتان الأسواق فالأمر المعروف أن سياسة تحرير الأسعار ترمي في جوهرها إلى ترسيخ المنافسة السلعية وتحريك السوق، وحين أقدمت الحكومة على خيار تحرير الأسعار وخروج الرقابة التموينية من الأسواق وعلى طريقة الصدمة ودون اللجوء إلى التدرج حدث -كما سبق أن قلنا- الكثير من الانفلات والفوضى من جهة الأسعار، نظراً لكون شروط المنافسة غير قائمة بمعناها المتكافئ، ولعل واقع الأداء في أسواقنا من شأنه تقديم البراهين وربما هناك من يقول: إن ما يحكم السوق المحلية والأسعار والتوازن هو قانون العرض والطلب وهذا الأمر يتأثر بكميات السلع المعروضة والمنتجة والمستوردة لسدّ حاجة الطلب، وينطبق على أشهر المواسم والأعياد بسبب طبيعته واندفاع الناس إلى مزيد من الاستهلاك وهذا بدوره يؤدّي إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني.‏
فإذا استعرضنا أسعار الخضروات في أسواق بلودان نجد أنها ارتفعت ضعفين خلال الأيام الثلاثة الأولى من شهر أيلول، فقد وصل سعر كيلوغرام الكوسا إلى 175 ليرة والزهرة إلى 90، في حين كانت تباع هذه المواد قبل شهر بـ75 ليرة فقط والبطاطا بـ120 والبصل بـ100 والثوم بـ180 ليرة والأمثلة كثيرة لا مجال لحصرها. ولعل فوضى الأسعار لا تنحصر في جانب معين، وإنما تنسحب أيضاً على أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء، التي تشهد تجاوزات غير معتادة في الأحوال العادية وعلى الرغم من تأكيد الجهات الرسمية أنه لا يوجد ما يبرر مثل هذا الارتفاع، إلا أن الباعة يبررون لأنفسهم هذا الارتفاع بالنقل والطرق وأجور الشحن.
وبالنسبة للجهة الرقابية فإن مديرية التجارة الداخلية بريف دمشق وضعت خطة لمراقبة الأسواق وكثفت حملتها من أجل رصد حركة انسياب السلع والخدمات في أسواق المحافظة ومراقبة حالات الغش والتدليس والاحتكار وكذلك مراقبة تداول الفواتير والإعلان عن الأسعار المعلنة للسلع المحدّدة السعر.
وفي ظل الفوضى السعرية، وهذه الحقيقة لا يمكن تجاهلها، فإن الأمر الذي تتعين المطالبة به يتمثل في ضرورة العودة من جديد لإنعاش الدور الرقابي الذي غاب عن أسواقنا، ومثل هذا الدور لا يمكن التخلي عنه ما دامت الشروط الفعلية والحقيقية لتحرير الأسعار غير متوفرة.‏
ريف دمشق – عبد الرحمن جاويش