ثقافة

تمهيد مختلف

محي الدين محمد
إذا كان في هذا العالم المترامي الذي تعيش فيه الملايين الفقيرة (أوثان أكثر من الحقائق) برأي الفيلسوف الألماني (نيتشه) وقد ظهرت صحة هذا الرأي من خلال مانراه من حالات الإسراف في الضياع إلى درجة الدخول في أنفاق العدم في أماكن كثيرة ولاسيما في الوطن العربي حيث تضرب الجذور التاريخية التي كانت وراء صنع حضارة أسهمت فيها الفتوحات وقد تم تجاوز التعاطف الذاتي معها من قبل المفكرين في تعاملهم مع حالات القلق الوجودي التي تستدعي القراءة المتأنية للتراث العربي والإنساني والدفاع عن التلاقح الثقافي في هذه الظاهرة وتأطيرها بل وجمعها في كتاب يمثل هذا اللون الجديد من المعاصرة وهدفه خدمة الإنسانية والحفاظ على التاريخ والأرشفة معا على حد سواء.
لهذا كانت مسؤولية المثقفين العرب ذات شقين أولهما: البحث عن تأثير وطأة الاغتراب الداخلي نفسيا وجسديا وكأنهما الخلاصة النهائية للإبداع لدى الجيل العربي الجديد الذي يعيش صدمته حتى على مائدة الإفطار حين يرى معاصريه من الشباب الذين عصفت بهم رياح التيه وعادوا عبئا على مجتمعاتهم وهم يصعدون فوق سلالم الخراب تحت حجج وافدة عمادها العودة إلى الجاهلية الأولى وهم يدعون أنهم يريدون إقامة إمارات إسلامية يجمعون فيها الثروات المادية عبر قتل الأبرياء وسرقة أموال الناس، وتشكيل طقوس مغايرة ذات مناخات تكفيرية هادمة وتحمل طابعا اجتماعيا تحت أنظمة شمولية طاغية نسيتها الحضارات.
وثانيهما: إن مايقوم به هذا النشء المضلل في بلاد المغرب العربي والحجاز هو انعكاس لما قدمته الثقافة اليهودية بلغتها العبرية الكافرة بالقيم، والتي يسعى معها صناع الظرف العربي القادم على إقامة إمارات تخدم قيام الدولة اليهودية وهذا ما يقتضي تدريب أولئك الشبان على فعل الإجرام باستخدام التفخيخ كسلاح هدام، وبتوجيه من أولئك الذين كانوا ومازالوا تابعين لليهودية فكرا وسلوكا ولاسيما أبناء خيبر في الحجاز أحفاد محمد بن عبد الوهاب الذي صنعته التجربة البريطانية بالتعاون مع مؤسسي الحركات الخارجة على الحياة من مثقفي أوروبا وفي المقدمة منهم قادة الفكر الماسوني الذين خلقوا هذه المخاضات الجديدة في هذه المنطقة من العالم لتكون في المحصلة الخادم الأمين لبقائهم أحياء رغم أنهم غرباء عنها وعن قيمها الأصلية المرتبطة عضويا بكل مراحل التاريخ العربي الذي تغلب فيه المثقفون الأحرار على ما عداهم من ذوي الصدور العارية هنا وهناك.
وللتأكيد على ماقدمه (نيتشه) من رأي تحليلي لطبيعة المجتمعات البشرية لم يترك هذه الإضاءة المتميزة في حمولتها من المعاني الطالعة من الواقع اليومي المعاش رغم اختلاف المكان ومعتقدات سكانه تمر دون أن يقدم رأيا آخر يعتمد فيه على المصادفة.
وإنما أصاب فيه كبد الحقيقة كما يقال: وهو أن اليهود والأتراك هم المسؤولون عن صلب السيد المسيح قبل قرون. وهاهم الآن يسعون من جديد لإعادة تلك المواقف عبر اتحادهما في السر والعلن لحماية التنظيمات التي ولدت على أيديهم واعتمدوا فيها على تغيير خريطة هذا الشرق لتبقى إسرائيل وتركيا الصوت القوي المعبر عن هذا الوليد المشبوه بحيث تفقد الجغرفيا طابعها الخاص، وتنتقل العدوى إلى كل مكان يظل المواطن العربي فيه غربيا وطنيا، وإنسانيا ويحكمه العجز إلى مالانهاية.
بعد هذا التمهيد المختلف..أستطيع أن أؤكد على أن الإرث الثقافي الذي تربى عليه السوريون يحمل سمات الإشراق والتفاؤل رغم الألم.
ولم يستطيع قباطنة هذا العالم وسياسيوه أن يحدوا من اعتزاز السوريين بوطنيتهم، وإنسانيتهم، وهذا ماأذهلهم ودفع بمنظري العلوم العسكرية وتجار الحروب على الاعتراف بأهمية الجندي السوري ومنحوه درجة الشرف الأولى في المقاومة وإدارة الصراع في حرب الأنفاق مرغمين.
وماهذا النسيج الغريب على بلدنا وقيمنا..والمرفوض شعبيا سوى نوع من مخلفات الزمن الذي كانت فيها الحجاز ملاذا ليهود خيبر وهاهم يحلمون مرة ثانية ببناء دولتين عبر طلقة قناص، وبندقية مارق، وحفنة من دنانير النفط الذي يهدده الجفاف، ودفن أهله في وهاد الجحيم.