ثقافة

على منوال ما تقوم به المجلات المتخصصة في العالم قريباً كتاب “المعرفة” الشهري مع مجلة المعرفة

على منوال ما تقوم به المجلات المتخصصة في كثير من دول العالم، وفي اجتماع هيئة تحرير مجلة “المعرفة” الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب في وزارة الثقافة والذي عُقِد خلال شهر أيلول تمت الموافقة بالإجماع على إصدار كتاب “المعرفة” الشهريّ، والبداية ستكون في عدد كانون الثاني القادم من خلال كتاب “الحرية والالتزام” الذي سيضم أكثر من ثلاثين دراسة ومقالة مكتوبة بأقلام كبار الكتّاب والباحثين الذين كتبوا في مجلة “المعرفة” منذ أكثر من خمسين عاماً، ويبين د.علي القيم رئيس تحرير المجلة في حواره مع “البعث” أن الكتاب سيصدر بشكل دوريّ، وسيتم اختيار الكتب التي تناسب طبيعة المجلة ومستواها العالي، كما ستستثمر المجلة هذه الفرصة لإصدار الكتب ذات النسخ المحدودة بهدف إتاحة الفرصة لتكون مرة ثانية بين أيدي القراء، بالإضافة إلى إصدار كتب جديدة.
كما يوضح د.القيم أن المجلة ستقوم كذلك في عدد كانون الثاني بإهداء قرائها”cd” بعنوان “موسيقا ساحرة” من سورية للموسيقار سهيل عرفة وهو يضمّ نحو 23 قطعة موسيقية مسماة بأسماء المناطق السورية، مؤكداً القيم أن ذلك سيتبعه في الأعداد اللاحقة لهذا العدد أعمال أخرى مثل c d”” يتضمن القصيد السيمفوني “الربان والعاصفة” للموسيقار صفوان بهلوان، في حين تقوم المجلة وخلال شهر رمضان القادم بإهداء قرائها “c d” آخر عبارة عن ألحان صوفية من دمشق للموسيقار سهيل عرفة أيضاً، كما تجري الترتيبات لإصدار أعمال موسيقية لصلحي الوادي وخضر جنيد ومحمود عجان ومحمد محسن وكبار الموسيقيين السوريين الذين قاموا بإنجاز أعمال موسيقية، مبيناً أن الهدف من هذا المشروع هو الارتقاء بالذائقة الموسيقية وتعريف الأجيال بعظمة الإنجاز الموسيقيّ والحضاريّ والتأليفيّ للفنانين السوريين.
ويشير د.القيم إلى أنه كرئيس تحرير يحاول في كل عدد أن يكون هناك جديد حسب ما هو متوفر، فمنذ استلامه للمجلة يحرص كذلك على أن تصدر في وقتها، بحيث تكون قبل 25 من الشهر متوفرة في السوق وبعدد صفحات لا تقل عن 300 صفحة، مبيناً أن الظروف الصعبة التي تعيشها سورية لم تؤثر على مسيرة المجلة التي بقيت حريصة على استمرارها كما تعوّد عليها القارئ من خلال التواصل الدائم والمستمر ما بين المجلة وكبار الكتّاب أينما كانوا بعد أن اتسع انتشار المجلة نتيجة وجودها على موقع الهيئة العامة السورية للكتاب، منوهاً إلى أن المجلة تحرص كذلك على التواصل في الوقت ذاته مع الكتّاب الجدد، ونادراً ما يخلو عدد منها من نتاجاتهم (دراسة-قصة-قصيدة) والمقياس دائما برأيه هو الجودة بغضّ النظر عن الاسم.

المجلة بمثابة هدية
ولتبقى المجلة حيّة وغنيّة وبعيدة عن التكرار والوقوع في مطب الروتين تجدد نفسها دائماً من خلال تغذيتها بالمواضيع الحيّة والأسماء الجديدة، وهي بذلك استطاعت المحافظة على مستواها وانتشارها وحضورها، موضحاً أن المجلة بسعرها الزهيد والرمزيّ هي بمثابة هدية تقدمها وزارة الثقافة لكل قارئ ومثقف، واستمرارها وعمرها الطويل يعود للإيمان بدورها في نشر الثقافة الجادة والواعية والملتزمة، بالإضافة إلى حرصه كرئيس تحرير وكل من تعاقب على إدارتها ورئاسة تحريرها على أن تكون معبّرة عن عظمة وتاريخ ثقافة وأدب سورية التي يتواجد فيها كتّاب حققوا انتشاراً واسعاً على الصعيد المحلي والعربي والدولي وكانوا في معظمهم دائمي الانتماء للوطن ولحضارته، وهذا يزيد الوطن اعتزازاً بهم، مؤكداً مدى ما يمكن أن تلعبه الثقافة في عملية التواصل الحضاري وبناء المستقبل من منطلق أن الثقافة فعل حضاريّ متجدد، وإيماناً بذلك كانت هذه المقولة شعاراً للمجلة في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها سورية، حيث أن المجلة برأي القيم لم تكن بعيدة عما يجري في سورية، ففي كل عدد من أعدادها كانت هناك دراسات هي بنت الساعة، لتكون الأزمة حاضرة وبقوة في معظم موضوعاتها ودراساتها ولكن دون ابتذال أو استسهال.

الثقافة عملية متجددة
وردّاً على من يقول أن القضايا الثقافية في عصرنا الحالي قد نوقشت في معظمها ولم يعد هناك ما يثير الجدل يؤكد د.القيم أن الثقافة دائماً عملية متجددة تنمو وتتطور بفعل المتغيرات والمستجدات على الساحة الفكرية والثقافية والعلمية والاقتصادية، وهي كلّ متكامل، ولذلك هناك حتى الآن أكثر من 162 تعريفاً للثقافة في العالم ولم يتم التوصّل إلى تعريف جامع مانع لها.. من هنا فإن كل من يقول أن دور الثقافة انتهى هو إنسان جاهل ولا يدرك معنى وأهمية الثقافة والتي هي تنمية واستثمار في الإنسان وفعل حضاريّ وشموليّ، وبالتالي بقدر ما يكون هناك اهتمام بها يكون هناك اهتمام ببناء شخصية الإنسان، ولذلك يستثمر العالم كله في الثقافة وهو استثمار مربح لأنه استثمار في العقول والبشر وعلاقات الناس مع بعضها، ولذلك يؤمن القيم بأن عملية الثقافة متواصلة ولا تقف عند حدّ، ولذلك هناك مواضيع كثيرة يتم تناولها حتى نصل إلى المقولة النهائية، وقد حاول الكثيرون ولم يصل أحد إلى الفعل الحضاري والتطور البشريّ الخلاق.

ذهبنا بعيداً عن الثقافة
وعلى الرغم من كل الاتهامات التي وجهت للمثقف في ظروفنا الحالية إلا أن المثقف برأيه ما زال هو الذي يستشرف آفاق المستقبل ويحمل الهوية وكينونة هذا الإنسان ويقوم بتطوير الفعل وردّه وينبئ عما سيحدث، والشغل الشاغل للمثقف اليوم ولكل مواطن سوريّ هو كيف نخرج من الأزمة الطارئة والبعيدة كل البعد عن ثقافتنا وحضارتنا التي كانت دائماً منفتحة على الآخر، تعطي وتضيف في الفعل الإنسانيّ، فالحضارة السورية كانت دائماً واعية لهذا الفعل الحضاريّ الخلاق، لذلك كانت تصدّر أقدم أبجدية ونوطة موسيقية وأنشودة وقصيدة حب وأقدم معجم في العالم وما زالت بشكل أو بآخر تفعل ذلك من خلال أعلامها المنتشرين في جميع أنحاء العالم، يشعّون بفعلهم الحضاريّ لأن هذه رسالة سورية، وانطلاقاً من ذلك فإن المجلة من خلال نشر الدراسات والأبحاث تؤكد كما يشير د.القيم إلى هذا الفعل الحضاري، وما كان للاختراقات القديمة الجديدة التي يقوم بها أعداؤها أن تنجح إلا لأننا ذهبنا بعيداً عن الثقافة بعد أن أغرتنا ثقافة الغرب التي نجحت في استلاب عقولنا وعقول أجيالنا، وكانت النتيجة ما وصلنا إليه، والمهم اليوم برأيه أن نستفيد من الدروس ونعي ما يحيق بنا من مخاطر جسام وأحداث كبيرة، الهدف منها القضاء على الهوية العربية والشخصية العربية والفعل الحضاريّ العربيّ المتجذر في عمق التاريخ.

أمينة عباس