إبراهيم الحميد..حلم طفل سومري

يلح السؤال أمام لوحة هذا الفنان عن السماء العالية وعن السبب الذي يجعل منها أفقا لا يساوي عشر اللوحة، معلقة مثل رئة فوق مساحة واسعة من البوادي التي تزينها فرادة البيوت المربعة والمتقاطعة مع خط الأفق  لتزيد في المكان فرادة محببة مع بعض شجيرات رسمها طفل كبير يمتلك رقة الفراشة.
هذا العنوان هو المكان والشاهد على أهله الأزليين، نساء يحرسن الأسطورة في هذه البوادي الشاسعة والمفتوحة على الضياء والحب، نساء من خرافة وماء ومن حكايات سومرية تحفظها الأم والابنة والجدة، مثلما تحفظ أسماء ابنة العم أو ابن الخال.
امرأة تتوسط لوحة الفنان الحميد بزيها البرتقالي، تنظرك بعينيها المسورتين برموش طويلة مثل الحراب، يرافقها قطيع من القطط أ والماعز الخائف من عوالم موحشة.
إبراهيم الحميد ينتمي إلى هذه البلاد وإلى ذاك التراب وتلك المرأة والأسطورة، ويعيش حكايته البصرية التي يؤلفها بألوان وخطوط مستمدا من مختصرات رمزية تاريخية ومن مساحة العاطفة العميقة التي تملكته كبدوي شاعر يجتهد في البحث عن خصوصية أخاذة تؤثر في المشهد التشكيلي وتبقى أمينة لأعلامه من الفنانين الذين تركوا بعضا من شخصيتهم عند محبيهم ومجايليهم.
يأخذني الحميد بحديثه من ملحمة جلجامش حيث مرسم الفنان الراحل فاتح المدرس معلمه الأثير، فندخل في ذكريات رفقته للفنان الأستاذ الذي تأثر به، مؤكدا أن حبل السرة لم ينقطع بينه وبين الأثر السومري من جهة وبين شغف استوطنه في مرسم الفنان فاتح المدرس، حيث لازمه لسنوات طويلة صديقا وطالبا ومتذوقا، يرقب بناء اللوحة وتقشف ألوانها والأمكنة التي يدور فيها خيال فاتح المدرس، ألا وهو ريف  الشمال السوري حيث يزهو الربيع على ثياب النساء هناك، والمنحنيات من السهول الواسعة، والمدى المفتوح على آخر ما تراه العين، لتصل إلى يقين أن اللوحة لا يمكن أن تنتهي إلا بموت الفكرة في حضرة الجمال.
يسهب في الحديث عن اللوحة والطفولة والذاكرة، وليس ببعيد عن الدار المجاورة  لضفة نهر الفرات لم يدرك ذاك الطفل الذي يمسك بغطاء “الطنجرة” جاعلا منه مقودا لسيارتة المتخيلة، يحلم ويثير الغبار حول لعبته ليجعلها حقيقة مؤثرة تتواصل مع ما أنجزه من أعمال ميزها البحث والتجريب، هو القريب من مفردات أدبه وحلمه الذي لم يكبر أكثر من حلم طفل سومري يعيش في هذا القرن وينتمي إليه بحيوية. يرسم بالرمل الملون طائراً يمشي على شال من الحرير الملون أو امرأة وحيدة على عرش من الخرافة والشهوات الخبيئة، على سطح لوحته التي أنهكها لوَبان الفكرة وسفر الخيال.
الفنان إبراهيم الحميد عميق في تجذره للمكان، حالة متميزة كالعديد من الفنانين السوريين الذين نفخر بهم.