أردوغان على مقصلة الأمريكان
ليس ثمة ما هو عقائدي على الأساس “الثوري” المزعوم في النزاعات الصاخبة بين المجموعات الإرهابية المتناحرة في مناطق مأهولة، أجّلت الدولة السورية مقاربتها بالوسائل العسكرية بعد تحصّن “القراصنة” داخلها بدروعٍ بشرية، بل هو صراع على مكتسبات وخلاصات عمليات السطو المسلّح على مقدرات الدولة ومواطنيها، وهذا ما يبدو جلياً من خلال أكثر المصطلحات تردداً في حيثيات الصراع: معبر باب الهوى باتجاه تركيا، خطوط نقل النفط المسروق وترحيله إلى تركيا، المعابر الجبلية المؤدية إلى المضمار التركي، وهي خطوط التهريب التقليدية التي كانت شرايين إنعاش، ولو جزئياً للاقتصاد التركي حتى في زمن ذروة التظاهر بالعلاقة الودية مع سورية.
أما الكلمة التي تصدّرت إحصاءات التكرار، كما يلمس كل متابع، فهي “تركيا” الكلمة المحورية في مجمل الصراع الدائر على حدودنا الشمالية، حتى في عمليات التحالف المزعوم ضد داعش، وحتى في تداخلات القضية الكردية، التي تفاعلت تفاعلاً نشطاً وبشكلٍ لم يكن ربما في حسبان من أجروا المداخلات أن يصل إلى هذا المدى الخارج عن السيطرة، وبالتالي ظهور موجبات ملحّة حتّمت اللجوء إلى الدولة السورية سرّاً وعلناً لحسم الموقف بأجندة طارئة وخارجة عن مجريات التقدم الهادئ، الذي يعمل بموجبه الجيش العربي السوري في تطهير المناطق وإعادتها إلى حضن الوطن.
في مجمل المشهد الشمالي الآن ما يوحي بأن ثمة خسارات باهظة تستنزف “القراصنة” المتصارعين، لكن الخاسر الأكبر هو أردوغان الحالم بـ “عثمنة” المنطقة وفق أدبيات ما قبل حرب العام 1914، فهو يفشل على الملأ بصياغة” كانتون” كردي متجانس موالي لنزعاته ويدغدغ مشروع النهب والاستلاب الاقتصادي الذي يمارسه منذ سنوات في الإقليم العراقي الشمالي، كما يخسر أدواته المباشرة في إرهاب الشعب السوري، على خلفية الصراعات المستعرة في الوقت الراهن.
أما سقوطه المدوي فتؤكد مجريات الأحداث أنه سيكون على يد حليفه الأمريكي، الذي أدرك أن أردوغان هو حارس بوابة الدخول إلى المواجهة مع الإرهاب، وقد يكون استنتاجنا هذا مستغرباً في ظل واقع الريبة بجدية الأمريكي في حربه على إرهاب هو من صنعة وأوعز بتدجينه، لكن المعطيات تؤكد امتعاض واشنطن من الطموحات الاقتصادية لـ “القرصان” التركي وفق تفاصيل السيناريو المرسوم لإحداثيات المنطقة في سياق مؤامرة مدمني السطو على مقدرات الشعوب والدول، وهي طموحات لم تتغيّر رغم تبدل المعطيات على الأرض، أي أن “دون كيشوت” بني عثمان لم يفهم الوقائع الجديدة، ولا بد بالتالي من صفعة مدوية تتكفل بصمته وانكفائه.
أما الأخطر من ذلك فكان على شكل تقارير تحذيرية دبت الرعب في أروقة القرار السياسي والعسكري الأمريكي، خرجت من مكتب التحقيقات الفيدرالي هناك، تؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه عدداً متزايداً من مواطنيها، الذين باتوا متطرفين عبر الانترنيت وبوصلة استرشادهم “الجهاديين” في سورية، وهذا يعني صراحة أن ارتدادات الإرهاب لم تعد بعيدة عن حدود صاحب الفكرة باختراعه بل في عقر داره، وهذا ربما يرجح صحة الأنباء التي تتحدّث عن رسائل التوسل التي دفع بها أوباما باتجاه المسؤولين الإيرانيين للمساعدة في الحرب على”داعش”.
وهنا سنترك لخيالات من يرغب بالتحليل تقدير شكل الموقف الأمريكي الجديد من أردوغان الذي بات -بدعمه الإرهاب لغايات شخصية لا علاقة لها بالأمن القومي التركي– يهدد الأمن القومي الأمريكي، والاعتبار الأخير كان الذريعة في اجتياح الأمريكان لكل المناطق التي سطو عليها عسكرياً لأغراض اقتصادية تحت مسوّغات أمنية، تتعلق بمكافحة إرهاب يمارس نشاطه بعيداً عن حدودها، فكيف إذاً بإرهاب تسلل إلى “داخل داخلها”؟!.
لم يعد من مجال أمام واشنطن للمراوغة في التعاطي مع ملف الإرهاب والحرب على سورية، وستخضع مرغمة لاعتبارات ذات صلة بأمنها الداخلي، أهم حالياً من نزعات السطوة في مناطق الثروات، بل لعل الاعتبار الأخير لم يعد ملحاً في ظل منظومة تبلورت لترحيل الثروات والعائدات و”التعويضات” من دول الخليج العربي إلى الولايات الأمريكية، ولاية ولاية.
ناظم عيد