ثقافة

الفنان التشكيلي سهيل معتوق في معرضه الجديد بالقلم الأزرق الناشف يعيد ترتيب المكان

تقترن شخصية الفنان معتوق بطريقته في الرسم، والتلوين، وقد تعرّفت على تجربة هذا الفنان التي أدهشتني رتابة اللوحة، وحيادية القلق فيها، وتكوينها القائم على معيار بصري، معماري، ينزع نحو التوازن، والدقة المشهودة في التنفيذ.
أكثر من ثلاثين عاماً، وهذه الشخصية الفنية التي لم تغادر إلى أية مغامرة تشكيلية أخرى، محافظة على هويتها، ومتعتها التي حضرت في أغلب المعارض الرسمية التي يشترك فيها الفنان معتوق، مثل حضوره كأستاذ، ومدرّس للعمارة الداخلية في كلية الفنون بجامعة دمشق، ولاحقاً رئيس قسم العمارة الداخلية في كلية الفنون في الجامعة العربية الدولية التي احتفت بمعرضه المقام حالياً في بهوها، وبين قاعات دروسها، ليكون المعرض الفني الكامل بمواصفات الفنان المعلم، والمحب لطلابه، ورسالته العلمية، والفنية، كما تسجل للجامعة الدولية الخطوة الإيجابية التي تضاف إلى الرصيد التشكيلي السوري الحاضر، والمطالب أكثر من أي وقت سابق بتأكيد تواجده على المستوى الثقافي اليومي للحياة السورية التي تواجه ما يرسم لها من تدمير، وتشويه.
ضم المعرض أكثر من مئة لوحة مختلفة القياسات، منها ما هو منفذ بطريقة الرسم بالقلم الأزرق الناشف، أكد فيها الفنان براعته في الرسم، والقدرة على رسم أدق التفاصيل، والوصول إلى ملامس، وسطوح مختلفة، ومتنوعة، ومتدرجة في الإضاءة، لوحة غنية بالمنمنمات تقارب في تنفيذها تقنية فن الحفر، غنية بالحرفية، والعاطفة تجاه ما يرسم، ويصور، فالمكان مشيد في روح الفنان من قبل، وعمارة البيوت الدمشقية مرآة روحه التي  استطاع أن يجسدها ببساطة العاشق، وثقة العارف بالمكان، وسحره، يرسم وكأنه يحدثنا ببساطة الراوي الذي عاش المكان والحدث.
رتابة المكان الشغوف بساكنيه موازية لروح معمارية تأليفية حكائية ذات بعد دلالي على وجود الإنسان بروحه اللطيفة، فحبل الغسيل، والشرفة المزينة بالورد، والياسمين، والستائر على النوافذ العالية، دليل على دفء الإنسان الذي يعمر، ويحب، ويتواصل، ويعتني بالبيت، والحي، والمدينة، والوطن.
يقف الفنان على بعد «ملقط» الغسيل من حبله، و«الدرابزين» المطرز بالورد على الشرفة النظيفة، حيث يرسم منها حارته الدمشقية، يرسم المجموع المتآلف من البيوت المتعانقة مثل الكلمات الصاعدة مع عروض الشعر المتزن، يرسم قصيدة، أو يقص حكاية بمنتهى العناية واللطف.. إنها حكاية بصرية دمشقية، وحكاية أخرى من معلولا المبنية على دفء الروح، وطمأنينة النفس، وثقتها بالإله.
يقدم الفنان لمعرضه بالقول: «هذه المنمنمات للبيوت الشعبية، والدمشقية ليست صوراً عن الواقع، بل هي خيالات استحضرت من الذاكرة الفكرية، والبصرية، جاءت بصيغة تشكيلية مغايرة للواقع، فاللغة التشكيلية هنا تعبيرية استخدمت مفردات، وإشارات، ومعاني، وعناصر جمالية، نظمت، ووجهت نحو هدف خاص جرى تسجيله، وإيصاله إلى المشاهد، والمتلقي، له الصلة بمجال العمارة في صورتها الحالية بمنطقتنا، خالية من شخوصها الأصيلة، فالأشكال المحققة في اللوحة هي عناصر تتكون منها الحياة، لأنها تتصل، وتتحاكى مباشرة مع الإنسان، فالشبابيك، والسلالم، والأبواب، وأحواض الزرع، والغسيل المنشور، وغيرها مفردات وضعتها، ورتبتها يد إنسان ممزوجة مع طباعه، وأخلاقه، وأحاسيسه، جاءت على صورته متآلفة كشخصه، نسمع من خلالها تنهدات، وتحسرات البيت الراحل الذي لم يبق منه سوى البقايا الملتقطة من الذاكرة، كما أن اعتماد الخيال في رسم اللوحة دليل على إشراك المشاعر، والأحاسيس في عملية خلق العمل الفني، والذي هو نتيجة ملموسة للصورة الذهنية التي اختزلت في الذاكرة، وبناء على هذا المخزون تعاد صياغة اللوحة بمعالجات تقود إلى ابتكار جمالية، ومضمون جديدين، ربما تعبيري، أو رمزي، رغم اقترابه من الواقع، وبتكوينات ضمن مفهوم معاصر لكي تتواكب مع المدارس الفنية الحديثة، وتحمل سمة الهوية المحلية.

أكسم طلاع