البادية السورية خزان طاقوي بديل وكبير.. في حال وجدت النية الحقيقية للاستثمار.. هكتار واحد ينتج 4 أطنان من الزيت الحيوي لنبتة الجاتروفا بسعر عالمي يصل إلى 700 دولار للطن أوروبا تترقب تزويدها بكمیة 10 مليارات طن سنویاً على الأقل قابلة للزیادة وشركاتها تتنافس
لا نأتي بجديد بقولنا: “إن البادية السورية تعدّ خزاناً حقيقياً للمنتجات الزراعية والحيوانية التي تدعم الاقتصاد الوطني”، وذلك بشهادة الخبراء والتنفيذيين الفنيين المعنيين، لكن ربما جديدنا في هذا السياق أن البادية مؤهلة لأن تكون خزاناً من نوع خاص، كفيل بإنتاج الوقود الحيوي، في وقت بتنا بأمس الحاجة لاستثمارات استثنائية، في ظل ارتفاع أسعار النفط وتوقع نضوبه في المستقبل، والبحث عن بدائل للطاقة الأحفوریة.
دراسة
وفي التفاصيل نبيّن أن مدیریة الاقتصاد الزراعي والاستثمار في وزارة الزراعة أعدّت دراسة حول الأهمیة الاقتصادیة لإدخال وزراعة شجرة الجاتروفا الواعدة للطاقة في المستقبل، إذ أوضحت الدراسة التي حصلت “البعث” على نسخة منها أن الوقود الحیوي بات يحظى كمصدر طاقة واعد، باهتمام عالمي واسع من بین الطاقات المتجددة التي یؤمل أن تلعب دوراً متزایداً في مزیج الطاقة العالمي خلال العقود القادمة، وإن استخدام الزیوت الغذائیة (كزیت اللفت الزیتي والذرة الصفراء وغیره…) في إنتاج الوقود الحیوي في البلدان النامیة یعدّ غیر مجدٍ في ضوء وجود فجوة كبیرة بین الطلب والمعروض من هذه الزیوت في العالم النامي، ولذلك كان لا بد من إیجاد زیت بدیل غیر قابل للاستهلاك البشري لیستخدم في إنتاج الوقود الحیوي، فتمّ اكتشاف زیت بذور الجاتروفا والهوهوبا والخروع والخردل وزیت الطحالب (كزیوت غیر غذائیة)، كبدیل عن الوقود الحیوي المستخرج من المحاصیل الغذائیة.
مزايا
اللافت في هذه الدراسة أن شجیرة الجاتروفا تمتاز بالعدید من المزایا والخصائص الفنیة والبیئیة والاقتصادیة، حیث تستطیع النمو بكافة أنواع الترب الفقیرة والقلویة والهامشیة والملحیة والحامضیة والغدقة (الموحلة)، لذلك فهي تعتبر زراعة بدیلة بمواصفات عالیة، وهي مقاومة للجفاف، وتستطیع العیش في البیئات قلیلة الأمطار، ما يعني أن البادية السورية تعدّ المكان المثالي لهذه الشجيرة، وقد أشرنا في موضوع سابق تناولته “البعث” الأسبوع الماضي إلى أن إحدى الشركات الخاصة تقدمت بدراسة إلى وزارة الزراعة أكدت من خلالها أن البادية السورية هي المكان المناسب لهذا المنتج.
وتساهم مشاریع الجاتروفا في تشغیل الید العاملة، وتعطي ربحاً سنوياً صافياً من بیع البذور ولمدة طویلة تصل إلى 40 سنة، كما تتمیّز بإنتاج الزیت الحیوي المطابق للمواصفات الدولیة والمطلوب للتصدیر عالمیاً، إضافة للاستخدامات الصناعیة الطبیة والعلاجیة لمنتجاتها.
جدوى هائلة
كما أن إقامة مشروع لزراعة أشجار الجاتروفا یعتبر مجدیاً اقتصادیاً لكون تكالیف إنتاجه قلیلة إلى حدّ ما مقارنة مع المحاصیل الأخرى، حیث یمكن زراعتها في مختلف أنواع الأتربة، ولا تحتاج لكمیات كبیرة من المیاه والأسمدة ومواد المكافحة، ولا تتطلب سوى بعض العملیات الزراعیة، كما أن بذارها وزیتها مطلوبان في الأسواق العالمیة، ویعدّ سعر زیت الجاتروفا أغلى من سعر الزیت البترولي الخام بحدود 30%، ما یحقّق ربحاً مالیاً على مستوى المزارع الفرد وعلى مستوى الاقتصاد الوطني، وأشارت الدراسة إلى أن لزیت الجاتروفا سوقاً عالمية كالنفط، وتراوحت أسعار مبیعه في السنوات الأخیرة ما بين 300– 700 دولار للطن.
وتبیّن من خلال الدراسات وتجارب الدول المنتجة للجاتروفا أن كل هكتار واحد تقریباً مزروع بشجيرات الجاتروفا يمكن أن ينتج نحو 2– 4 أطنان من الزيت الحيوي، وقد یصل إنتاج الهكتار الواحد في الظروف المثالیة للزراعة إلى أكثر من 20 طناً من البذور تعطي نحو 8 أطنان من الزیت الحیوي.
ویمكن لزراعة الجاتروفا كمحصول اقتصادي أن تكون بدیلاً أو ردیفاً اقتصادیاً وطنیاً یسدّ الثغرة الناتجة عن نقص البترول والطلب المتزاید على الوقود والمحروقات، ولاسیما في أوقات الأزمات، كما أنها تساهم في توفیر عملة صعبة من خلال عملیات التبادل التجاري الدولي. وبالإضافة إلى فوائدها البیئیة واستخداماتها الأخرى الضروریة للإنسان والحیوان، فإن شجرة الجاتروفا وبحسب الدراسة تُستخدم بشكل أساسي في محاربة التصحر كونها تنمو بنجاح في الأماكن المتصحرة والجافة والقاحلة، وتمنع انجراف التربة ولا تحتاج إلى الكثیر من عملیات الخدمة والمیاه، وهناك تجارب ناجحة على إمكانیة ریها بمیاه الصرف الصحي (مصر- الأقصر) كما أن التوسع في زراعتها على نطاق واسع لن یتمّ على حساب إنتاج المحاصیل الغذائیة التقلیدیة، وبذلك یمكن لصغار المزارعین تحقیق دخل إضافي من خلال زراعتها وبیع بذورها، كما تتلخص المیزة النسبیة لزراعة الجاتروفا في الإنتاج المتمیز للزیت الحیوي المطلوب للتصدیر مما یزید من الدخل القومي للبلاد.
تجارب ناجحة
ما سبق يحتّم على المعنيين وخاصة وزارتي الزراعة والكهرباء العمل على استثمار ميزات باديتنا، وتسخيرها لخدمة التنمية بأشكالها كافة، وسنعرض هنا بعض التجارب الناجحة التي یمكن أن یُستأنس بها لدى التفكیر بإقامة مشروع وطني لزراعة الجاتروفا لدینا، ومنها تجربة زراعة الجاتروفا في صعید مصر (الأقصر) ضمن المشروع القومي للاستخدام الآمن لمیاه الصرف الصحي المعالج في زراعة الغابات الشجریة، نظراً لملاءمة مناخ الصعید لهذه الأشجار، حیث قامت كل من وزارة الدولة لشؤون البیئة ووزارة الزراعة واستصلاح الأراضي بزراعة 900 فدان من الجاتروفا في كل من الأقصر (250 فداناً) وسوهاج بالكولا (250 فداناً) والسویس بجبل عتاقة (٤٠٠ فدان)، تُروى جمیعها بمیاه الصرف الصحي المعالجة.
منافس قوي
كما اعتُبر مشروع زراعة الجاتروفا في السودان أحد مشاریع مكافحة الفقر وتطویر الثروات داخل الریف السوداني، وهناك خطة كبرى لإنتاج البیودیزل من الجاتروفا بكمیات تجاریة في مختلف أنحاء السودان، وهم الآن بصدد تخصیص المساحات الفارغة لزراعتها بهذه الشجیرة لتعویض الفاقد من نفط الجنوب، ومن المتوقع أن تكون الجاتروفا منافساً قویاً لمصادر الطاقة الأحفوریة للمزایا العدیدة التي یتمتّع بها البیودیزل، وتبیّن لدیهم أن عائدات البیودیزل أكبر بكثیر من عائدات مصادر الطاقة الأحفوریة، ویتوقع أن یحقق إنتاج البیودیزل من الجاتروفا للاقتصاد السوداني أكثر من ستة ملیارات دولار في العام.
الأوروبية تتسابق
إضافة إلى ذلك فإن الشركات الأوروبیة تتسابق الآن على استئجار أراضٍ في إفریقیا لزراعة هذه النبتة للحصول على 20 ملیون برمیل یومیاً في حال تمّت زراعة ربع أراضي إفریقیا، أي ما یحوّل المنطقة إلى منبع نفط حیوي یشبه الشرق الأوسط كوقود أحفوري. هذا بالإضافة إلى إقامة مصفاة لتكریر الزیت وكافة مرافق المعالجة والنقل، كي تصبح قادرة على تزوید أوروبا بكمیة 10 مليارات طن سنویاً على الأقل، وهي كمیة قابلة للزیادة مع ارتقاء أعمال البحث العلمي والتجارب والتطویر على بذور نبات الجاتروفا.
دمشق– حسن النابلسي