ثقافة

فندق “بودابست الكبير” التغييرات التي طرأت على المجتمع الأوروبي خلال الحربين العالميتين

يقاس عمر الإنسان بزمن قصير منحه السعادة الغائبة في بقية الأزمنة ،هذا هو سرّ الفيلم الذي خيم الفضاء الثلجي الكثيف على أجوائه وبقيت قطعه المتساقطة بطلاً في الفيلم ،ليقول البطل “غوستاف” (رالف فانيس وف) كل قطعة تتفرد بشكلها إيماءة إلى تبدلات الأزمنة التي تطال مصائر الدول وليس فقط الأشخاص ،لاسيما في المرحلة الزمنية التي تفصل بين الحربين العالميتين..ليتوقف المخرج عند تبعات الحرب العالمية الثانية وتصاعد القتال بين ألمانيا وروسيا وامتداد الحركة الشيوعية وتحوّل بعض الممتلكات الفردية الضخمة إلى ملكيات عامة كحال الفندق الذي تحوّل إلى ثكنة شيوعية أثناء الحرب. ورغم بساطة القصة السردية المستوحاة من رواية الكاتب النمساوي ستيفان زويغ إلا أن المخرج الأمريكي ويس أنديرسون، الحائز على جائزة الروح المستقلة لأفضل مخرج، حوّلها إلى مشهدية سينمائية متنقلة بين سلاسل جبال الألب المغطاة بالثلوج في أقصى حدود أوروبا،لنرى التغييرات الطارئة عبْر ثلاثة أزمنة ما بين بداية القرن الماضي ومنتصفه ونهايته وانعكاساتها على فندق بودابست الكبير الذي كان موطناً لأثرياء أوروبا الذين يزورونه للاستمتاع والاستجمام ،هذا الفندق الذي كان آنذاك أشبه بمؤسسة كبيرة كما وصفه السارد خلال مشاهد الفيلم ،تعود ملكيته إلى السيدة العجوز “دي” التي وثقت بغوستاف مدير الفندق، وكما قالت منحها سعادة في الزمن الذي لايمكن أن يمنحها شيئاً ،وفي إطار متداخل بين خطوط الكوميديا المباشرة البادية على ردود فعل الشخوص وملامحهم ،يتناول المخرج بأسلوب غير مباشر التغييرات الطارئة على المجتمع الأوروبي ضمن لقطات سينمائية جامعة مصاغة بدقة لتبدو الصورة محفوفة بكل التفاصيل والجزئيات لظهور جماليات الطراز المعماري القديم للفندق والمصاعد والغرف وتصوير مظاهر الثراء ،والأجمل العربات المتنقلة على سكك سلاسل جبال الألب وصولاً إلى المنتجعات .تبدأ الأحداث من قراءة الفتاة للرواية لتنتقل الأحداث إلى طاولة العشاء التي تجمع بين زيرو مصطفى الشاهد على القصة من بدايتها البطل المساند للبطل الأساسي غوستاف -المدير الناجح الذي كوّن علاقات إنسانية وارتبط بصداقات عميقة مع النزلاء رغم تشدده- والكاتب الشاب ويدور بينهما حوار طويل اتخذ فيه زيرو دور السارد لتنتقل الكاميرا إلى الأحداث بزمنها الفعلي ونعرف قصة زيرو الهارب من قسوة الحرب بعد قتل عائلته ونجاته ليصبح “صبي الردهة” في الفندق .الأمر الملفت في الفيلم أن المخرج أدرج ضمن السياق الدرامي مجموعة جرائم ارتكبت بهدوء تام أو كما يقال ببرود قاتل ،وفي أمكنة من المستبعد أن تحدث فيها جريمة ،وفي الوقت ذاته يفتح المخرج من خلالها منفذاً جديداً لطروحات سينمائية كمشهد قتل المحامي في دهاليز متحف الفنون ليفاجئ المشاهدين بأصابعه المقطوعة نتيجة إغلاق الباب الحديدي عليه ومن ثم موته، من قبل المجرم راكب الدراجة النارية الذي يتتبع أثر الشاهد الوحيد على جريمة قتل العجوز ويملك براءة غوستاف ،لكن الأفظع كان مشهد سلة الغسيل التي تحتوي بداخلها رأس أخت سيرج (الشاهد)المقطوع وتمكن المخرج ببراعة من تصاعد الرؤية السينمائية في نهاية الفيلم بطريقة مذهلة كما في تبادل الأمكنة بين غوستاف وزيرو مع الراهب في العربات المعلقة لينتهي المشهد بقتل سيرج المتخفي بزي الراهب شنقاً من الأعلى ،وفي نهاية الفيلم تظهر براءة غوستاف وتعود ملكية الفندق الخاسر إلى زيرو الذي يحتفظ به لأنه يذكره بزوجته غاثا التي توفيت بعد عامين مع طفلها الرضيع بمرض الانفلونزا الذي حصد الملايين في ذاك الزمن -كما قال السارد- وقد حصل الفيلم على عدة جوائز أوسكار منها جائزة لأحسن تصميم وأحسن موسيقا.
ملده شويكاني