الوحدة
عبد الكريم النّاعم
قال صديقي: “أتعرف؟ إنّني في أحيان كثيرة، أخرج لمخالطة النّاس، لغرض محدّد وهو أن أهرب من هواجسي، فآلام الناس، وشكاواهم، على ما فيها من قتام، تضعك في خضمّ مجتمع تتلاطم أمواجه، فتأخذك موجة، وتردّك أخرى، وهو، في بعض الأحيان آنَسُ من “الوحدة”.
قلت: “قد يكون ما ذكرتَه صحيحاً في مقطع دون مقطع، وهذا يختلف باختلاف الحالات، أو باختلاف الأشخاص.
قاطعني: “أنا قلتُ “في بعض الأحيان” لأتفادى تدقيقك المخيف”.
قلت: “منذ أن ذكرتَ هذه المفردة وصداها يرنّ في فضاءات نفسي، ذكّرتني ذلك الزمن الذي فار فيه الشارع العربيّ ينادي بـ “الوحدة”، لاسيّما في سوريّة، وكيف كنّا نرى في وحدة العرب صمّام أمان لهم يحفظهم ضدّ مطامع الدول الاستعمارية المتصهينة، وأذكر صديقنا أبو رسول رحمه الله الذي كان يقول: “لو قيل إذا سدّدتَ طلقة إلى رأسك، فستتحقّق الوحدة، فلن أتأخّر دقيقة واحدة”.
قال: “لم نكن حالمين كما يقول البعض الآن، بل كنّا مطالبين بحقّ سبقتْنا إليه بعض الأمم، ولم نكن طوباويّين لأنّ ذلك ممكن في صيغة ما، المهمّ أن يكون هناك قرار عربيّ، وهذا ما خشيتْه دوائر الغرب الاستعماريّ المتصهينة، وعملت عليه وما زالت تعمل، فصلت دولة الوحدة بين دمشق والقاهرة، ومنعت من تقدّم أيّة خطوة وحدويّة بأساليب مختلفة، ولعلّ أخطر منع كان للوحدة التي كانت مرشَّحة بين دمشق وبغداد، من منابع البترول إلى مصبّه، إلى ما فيها من طاقات ماديّة ومعنويّة،
توقّف فجأة وقال: “أرى على فمك ابتسامة، فهل تهزأ من هذا أم تستنكره”؟
قلت والضحكة تطفح: “لا هذه ولا تلك، ولكنّ هذا العقل الذي لا يهدأ فتح نافذة استدعت تلك الابتسامة”.
قال: “وما هي”؟
قلت: “في إحدى السنوات الدراسيّة، كان السؤال في مادّة (الإنشاء)، للصف الثالث الإعدادي، “أكتب في الموضوع التالي: (الوحدة خير من جليس السّوء)، فكان أنّ أكثر من سبعين بالمئة كتبوا عن “الوحدة العربيّة” ممّا اضطرّنا لتعديل سلّم التصحيح، فأعطينا سبعين بالمئة لسلامة الجملة، كي نتخلّص من هذا المأزق”
قال: “هل يقترب هذا من مقولة غسيل الدّماغ”؟
قلت: “ليس بالضبط، ولكنّ الأجواء كلّها كانت مشبعة بشعارات الوحدة، والتقدّم، والثورة، والعلمانيّة، وأن تلتقط العقول ماهو مطروح بقوّة فهو أمر مألوف”.
قال: “هل ترى أنّ ذلك الزمان انطوى وانتهى”؟
قلت:” لا، بل أرى الان أنّ بعض الطروف يمكن أن تؤسّس لخطوة أعمق، وأنضج ممّا سبق، تحملها بالدم الشرائح صاحبة المصلحة في ذلك، وأوضح ماتعرّى فيها حقيقة حكّام العرب المرتبطين بمصالح تتقاطع مع الصهاينة..
aaalnaem@gmail.com