صالة فاتح المدرس.. بعد غياب
في الشارع الواصل بين الفورسيزن وساحة النجمة مرورا بنادي الشرق، وفي قبو البناء الذي تشغله مديرية المسارح والموسيقا يقع مرسم الفنان الراحل فاتح المدرس، يعرف هذا المكان جيدا أغلب الفنانين التشكيليين وخاصة طلبة المعلم والأصدقاء منهم، وقد عرف بنقطة تلاقي للعديد منهم، وللذكرى فقد كان من رواد هذا المكان الشاعر الراحل حسين حمزة وأدونيس وحسين راجي وغيرهم من الذين رحلوا ونفتقدهم هذه الأيام، مثلما نفتقد السيدة شكران المدرس التي أصرت على تحويل المرسم بعد رحيل زوجها فاتح إلى صالة عرض للفنون التشكيلية، بمساعي الفنان عصام درويش صاحب غاليري عشتار في عام 2001، وكان عملا مهما للحفاظ على المكان الذي أبدع فيه المدرس أجمل أعماله، كما ساهمت هذه الصالة إلى جانب الصالات الدمشقية آنذاك في تعزيز حضور الفن التشكيلي وإبراز وجه سورية الجميل، إلى أن أغلقت الصالة في نهاية عام 2011 بسبب الكارثة التي حلت بالحياة السورية.
واليوم بعد سبع سنوات تستعيد هذه الصالة دورها مستلهمة من فطرة الحياة ودور الجمال في مواجهة آثار الحرب والخوف والقبح، والبداية بمعرض للفنانين عصام درويش ورانيا المدرس اللذين عرضا جملة من اللوحات وبتجربتين مختلفتين عن بعضهما كليا، فعصام ذاك الفنان الحاذق والمتقن لصناعة الفن واللوحة وصاحب حضور وفاعلية في المشهد التشكيلي السوري لسنوات طويلة، يقدم طاقة مختلفة لا تخلو من التعبيرية الواضحة والمباشرة عن الخوف والقلق الذي يجتاح هذا الإنسان المعايش للكارثة، ويتوجه بملامح تجتاحها انفعالات غريبة من الاحتجاجات في وجه المغاير للطبيعة الإنسانية التي أنهكتها آلام الحرب والمعاناة القاسية، وليتحول إلى شاهد غير محايد في هذه الحرب ينتمي إلى حقيقة تنشد السلام وتتقي شر النار بالعاري من الوجوه والعيون الخائفة، ربما هول الفجيعة وصل حارقا إلى العاطفة الخبيئة في وجد هذا الفنان الذي لم يعد يحتمل الحياة بلا رسم وألوان وصراخ أمام لوحته المرآة لذاته.
هذا المعرض سيشكل بداية لانطلاق سلسلة من المعارض التي سيميزها حسن اختيار الإدارة لتوفر المسؤولية والوعي عندها أكثر مما هو متوفر عند الآخرين من أصحاب الصالات الأخرى.
أكسم طلاع