حاجة “صفقة القرن” إلى الإرهاب
لم تتضح بعد بدقة تفاصيل “صفقة القرن” التي تعمل عليها الإدارة الأمريكية لزعزعة أمن المنطقة واستقرارها ممثلة بالرئيس ترامب، ويبدو أن إبعاد وزير الخارجية تيلرسون أمس عن منصبه ومهامه لن يؤثر على متابعة الإدارة للصفقة، لأن إنجاز الصفقة معهود به إلى صهر ترامب ومستشاره جاريد كوشنر بالتنسيق مع النظام السعودي وبعض الأنظمة «العربية» خدمة “للمشروع” قبل الكيان الصهيوني.
ولم يُعرف بعد الموعد الدقيق للإعلان عن الصفقة، الصفعة لا شك، ولهذا أسباب ترتبط بتهيئة الظروف المناسبة لها من مختلف الأطراف، وبالخشية من تعثّر تنفيذها، وبالحاجة إلى تسويق ناجح ومضمون لها قبل الإعلان عنها كي لا تموت الصفقة بُعيد الإعلان. وهذا جميعه يأخذ بالحسبان الإنجازات المتتالية التي حققها صمود الجمهورية العربية السورية شعباً وجيشاً وقيادة: مبادئ وثوابت وأهدافاً، ومشروعاً وطنياً عروبياً يرفده الأصدقاء والحلفاء، وخاصة الردود التصعيدية للقيادة الروسية العسكرية والسياسية التي ظهرت بالأمس واضحة لا لبس فيها وبشكل مفاجئ وغير معهود بهذه السرعة والقوة والوضوح والحسم، ما يشكّل بمجمله عوامل إرباك لهذه الصفقة قبل الإعلان عنها.
والصفقة مبدئياً تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية كقضية مركزية في المشروع القومي العربي، تصفية تنطلق من نسف الخطوط الحمراء التي طالما تشبّث بها الفلسطينيون والعروبيون وأحرار العالم وشرفاؤه، بما في ذلك قرارات المجتمع والقانون الدولي ذات الصلة.
والواضح حتى الآن أن الصفقة هي مشروع يأتي في سياق المشاريع السابقة للحلف الصهيوأطلسي – الرجعي العربي، مشروع يتصل بمشاريع هدّامة سابقة كمشروع بيريز للشرق الأوسط الجديد، فالكبير، ومشروع رايس في الفوضى الخلّاقة، ومشروع الحلف المذكور في دعم الإرهاب والاستثمار فيه على أنه ربيع وثورة !. ولذلك ستستند الصفقة على ما أنجزته المشاريع السابقة من إضعاف وتخريب وتهديم للبُنى الفوقية والتحتية للمشروع العروبي في صراعه المصيري مع المشروع الصهيوني وأهدافه وعملائه في المنطقة والعالم.
ولا شك في أن مشروع الصفقة هو تطور أكثر خطورة ودماراً ووحشية للشعوب والدول العربية والإسلامية، وللتراث والحاضر والمستقبل، من المشاريع الصهيوأمريكية السابقة لأنه يأتي في سياق الإنجاز الهدّام الذي حققه الاستثمار في الإرهاب، ويبدو أنه سيُبنى على الأشلاء والدماء والأنقاض التي أضعفت البنى المعنوية والمادية التي نجمت عن حركات التحرر الوطني في المنطقة والعالم، وهذا ما يسوّغ طول زمن التمهيد والتخطيط لهذه الصفقة قبيل الإعلان عنها.
إذن: الإرهاب حاجة ومقدمة وأساس للصفقة، لكن أي إرهاب: إرهاب الأفراد، أم إرهاب العصابات المسلّحة. أم إرهاب الدولة المتمثل بالإدارة الأمريكية وبالكيان الصهيوني؟.
من الواضح تماماً أن الصفقة بحاجة ماسة إلى إرهاب الدولة ببعديه الأمريكي والصهيوني، هذا الإرهاب المدعوم من أنظمة التطبيع والاستسلام والبترودولار، الإرهاب الذي خططت له مسبقاً الإدارات ومراكز الأبحاث وصنع القرار وانساقت إليه سَوقَ القطيع هذه الأنظمة وعصابات التطرّف والتكفير الإرهابية، وانخرطت فيه بوضاعة وخسّة حفنة من المثقفين المرتزقة الخونة الذين تأكد خطرهم أكثر من العصابات المسلّحة.
فمع كل تقدم وتوسّع وإنجاز ميداني وسياسي تحققه سورية ومحور المقاومة يظهر مباشرة رد من إرهاب الدولة المتمثل بغطرسة الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني انتقالاً من التهديد إلى الفعل، فالتصريحات الأمريكية أول أمس في مجلس الأمن بأن واشنطن ستتحرك بشكل فردي من خارج مجلس الأمن ليست جديدة قولاً وفعلاً، فلطالما تحرّك الطرفان بشكل فردي – إرهابي ليس في سورية فحسب.
والصفقة هي تحرّك إرهابي، وفردي مبدئياً، ثم تُدفع إليه الأنظمة قسراً بعد مقدمات له مثل مشاريع موك، وموم، ونيوم، وإعلان ترامب نقل السفارة إلى القدس… وصولاً إلى إعلان عضو كنيست صهيوني بأن على العرب -عرب الاعتدال- الاستعداد للانتقال من قول: الله أكبر، إلى: إسرائيل أكبر.
وإرهاب الدولة اللازم لإنجاز هذه الصفقة -التي لن تُنجز- يقترن بألاعيب كثيرة لا تكتفي بالاستثمار في إرهاب التطرّف والتكفير، بل بشرذمة الأنظمة العميلة وخلق تناقضات بينيّة كالحاصل بين السعودية وقطر، ومصر وتركيا، وبين العصابات الإرهابية نفسها، وكذلك الاستثمار الوضيع في المسألة الكردية.
وبمطلق الأحوال فإن الصمود والتقدّم المنجز في محاربة الإرهاب سيكون رديفاً للتصدي لهذه الصفقة. لكنها معركة طويلة ينتقل فيها الاحتراب والمواجهة ليس من الخطة أ إلى ب بل وصولاً إلى ي. ويبدو أن محور المقاومة وحلفاءه، ومعه الشارع العربي والإسلامي، وليس الأنظمة، وليس من المحيط إلى الخليج فحسب، مستعد لهذه المواجهة، ولإفشال الصفقة الإرهابية.
د. عبد اللطيف عمران